حصوننا تهدمت من الداخل مجلة بلاغ العدد ٧١ – شوال ١٤٤٦ ه

الآنسة: خنساء عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال صلى الله عليه وسلم: «يوشِكُ الأُمَمُ أنْ تَداعَى عليكم؛ كما تَداعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعتِها. فقال قائلٌ: ومِن قِلَّةٍ نحنُ يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، ولَينْزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدُوِّكم المهابةَ منكم، وليَقذِفنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهَنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوَهَنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيةُ الموتِ» رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، قال العلماء: “غثاء السيل هو ما يحمله السيل من زبدٍ ووسخٍ ونحو ذلك مما يقذف به السيل حينما يسير في الوادي فيحمل الأعشاب اليابسة ونحو ذلك مما يكون من المخلفات، وفي هذا تشبيهٌ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن هذا العدد يفتقد النوعية والجودة، يفتقد الإنتاج، يفتقد الآثار المباركة؛ وذلك لقلة شجاعتهم، ولدناءة آمالهم، ولتعلُّقهم بتوافه الأمور، فلا يلتفتون إلى معاليها ولا إلى شريفها، وإنما هِمم متدنيةٌ وأفعال غير منتجةٍ، ولذلك يصيرون كمثل هذه الحال: «غثاء كغثاء السيل»”.

إن الغثائية انتشرت في مجتمعات المسلمين كما تنتشر النار في الهشيم عندما نسينا وظيفتنا الأساسية في الحياة في تحقيق العبودية لله في كل شأن من شؤوننا اليومية مما لا يمكن أن أحصيه في هذا المقال ولكن سآخذ طرفًا واحدًا مما يخص مهمتنا كأمهات.

لا شك أن الله عز وجل جعل الأم راعيةً في البيت فهل قامت بمهمة الراعي في حفظ الرعية من كل ضررٍ يلحق بها!!!

دعينا من أمور الدنيا وتزيين البيوت وأنواع المأكولات والمبالغة في الاهتمام في شياكة الملابس والكماليات الدنيوية التي لا تكمل إلا بنقص الدين في وقتنا الحاضر، فقد امتلأت الصفحات والمواقع وأشربت قلوب الناس بها حتى الثمالة.

تعالي لنسأل أنفسنا أسئلةً يكون الهدف من الإجابة عليها هو إعادة بناء الأمة والجيل بالشكل الصحيح..

أين اهتمام الأم بعقيدة أبنائها؟

أولًا: هل علمتهم أن لا معبود بحقٍ إلا الله؟ أم أنها قدمت لهم التعاسة على طبقٍ مجهزٍ حين أدخلتهم فيما حذر منه نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ» رواه البخاري.

ثانيًا: هل نفذت فيهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في وجوب تعليمهم ما لا يسع للمسلم جهله في أحكام دينه؟ قال صلى الله عليه وسلم: «طلَبُ العِلمِ فَريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ» صححه الألباني ورواه ابن ماجة، أم أدخلتهم في الدوامة التي ذكرها الله عزّ وجل في كتابه العزيز {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].

حدثتني أختٌ اعتكفت في رمضان بأحد المساجد فرأت العجب العجاب ممن جئن للصلاة في المسجد، فمثلًا رأت الاستهتار بالحجاب إلى حد التكشف والجهل بأدنى معيار من معايير التحجب والحشمة، ورأت الجهل بأحكام الصلاة إلى حد الصلاة لغير القبلة، ورأت مما يدمى له القلب المؤمن، وهذا في أيام قلائل، فماذا لو بقيت أكثر أو دخلت بيوت المسلمين؟

ثالثًا: هل حمت الأم بناتها من شرور النسوية التي من أهم أهدافها تفكيك الأسر والوقوع في شرك أعداء الإسلام عندما تركتهن يذهبن لمدارس وجامعات الأنظمة الطاغوتية التي ما وصل أصحابها سدة الحكم حتى أقسموا يمينًا لأسيادهم على تخريب الجيل وتفكيك الأسرة المسلمة، وبهذا تترك في النهاية البنت طاعة الوالدين لتطيع بيوت الأزياء ومخربي العقول من الساقطين وصناع الفشل والخراب في الأمة، حتى فشت الأنانية والفردية عبر تزيينها وإظهارها في قالب يثير الإعجاب عبر المقاطع التي تداولتها بنات المدرسة في غياب رقابة الأم، وحتى ضعف الخوف من الله فقويت السخرية من الوعظ الديني ووضعت قدواتٌ سيئةٌ جديدةٌ للرجال والنساء شيبًا وشبانًا؛ فلم يعد المثل الأعلى للشباب هو جيل الصحابة أو التابعون أو الفاتحون أو العلماء الأفذاذ، كما لم يعد نموذج المرأة المحبب أمثال: أمهات المؤمنين أو الصحابيات أو المجاهدات؛ بل حتى ما يسمى الأعمال الدرامية – حسب اصطلاحهم – أظهرت أولئك بصورة سيئةٍ أو مشوهة.

لقد غزا البيوت فكر “النسوية” الخبيثة والتخريب العقلي الذي رأيناه بأعيننا وسمعناه بآذاننا من أفواه المغرر بهن وإليك بعض ما سمعناه ورأيناه من الأفكار التي يروِّج لها حَمَلَةُ الفكر النسوي المنحرف الضال – والذي صار واجب الوقت محاربته والعمل الجاد لإنقاذ الجيل منه خاصة وقد استلمت شأن المرأة في هذه البقعة من بلاد الشام شاذة عدوة العفاف والإحصان – ومن أهدافها:

1 – تصوير الدين الإسلامي على أنه دينٌ متشددٌ، يمقت المرأة ويظلمها، ويجعلها خادمةً لدى الرجل، وأن الحجاب ما هو إلا تغطيةٌ لجمال المرأة الذي يفترض أن تبديه.

2 – التغرير بالفتيات بكونهن مظلومات داخل المجتمع الذكوري، وأنه يجب التحرر من القيود التي فرضها الرجال عليهن، والمطالبة بأن تكون الأنثى كالرجل في كل شيء دون قيود أو حدود.

3 – تصوير الأب على أنه مصدرٌ للظلم، والحرص على تهوين أمر عقوق الوالدين، وأن الفتاة لها حريتها الشخصية، وليس لأحدٍ الحق في التحكم بها، وأن الأب مجرد خادمٍ عليه إحضار متطلبات الأسرة فقط.

4 – تصوير الإخوة على أنهم ذكورٌ حازوا كل المميزات، واستأثروا بها على الإناث، وأنهم مصدرٌ من مصادر الظلم ضد الأخوات، ويجب مقاومتهم وكرههم، والحرص على انتزاع الحقوق منهم وعدم طاعتهم.

5 – التشجيع على النشوز على الزوج وعدم طاعته، والسعي إلى الانعتاق من أغلاله.

6 – تشجيع الفتيات على عدم الزواج أو على الأقل تأخيره، وتصوير الزواج على أنه نوعٌ من الكبت للحرية والتقديس للذكر، ومن حافظ عليها أهلها بالزواج وهي في زهوة تفتحها وفتوتها فهي مظلومةٌ متزوجةٌ قسرًا!!!!

7 – تصوير الفتيات الهاربات من أُسَرِهن أنهن قدوات قويات، تحرَّرن من قيود الرجال، وعِشْنَ حياة الحرية مع أن بعضهن أنهين حياتهن بالانتحار من شدة التعاسة التي وصلن إليها.

8 -وآخر محطاتهن: أن الأم ما هي إلا مربيةٌ يجب عليها القيام بمهامها تجاه الفتاة، فإن تركتها على حريتها فهي أمٌّ متفتحة، وإن صادمتها ومنعتها من الانفلات في مستنقعاتهن، فهي مجرد مربيةٍ ليس لها حق الطاعة، ولا يلزم برها ولا الالتزام بتوجيهاتها، ويجب التحرر من قيودها.

هذا غيضٌ من فيضٍ في تخريب الفكر الذي تتعرض الأسرة المسلمة من أعداء الإسلام فانتبهي أختي لحمل الأمانة كما أمرك الله دعي المظاهر والشهادات الفارغة، وضعي أبناءك في محاضن تغذي فيهم تقوى الله وتكرس معاني بر الوالدين، فما أروع أن يتربى الجيل على بر الوالدين وخفض الجناح لهما والتواضع معهما وتتكرر أمامه مثل هذه الأحاديث: “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أردت الغزو وقد جئت أستشيرك؟ «فقال: هل لك أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة تحت رجليها»” رواه أحمد وغيره، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النعمان، فقلت كذلكم البر، كذلكم البر وكان حارثة أبر الناس بأمه»، بدلًا من دعوات التمرد على الوالدين التي ما أريد بها إلا نشر التعاسة في المجتمع المسلم وتدميره وإضعافه؟

وتتكرر أمامه قصص الإيثار وأحاديث الإيثار وحبّ الخير للغير إذ هو من أعظم الأخلاق الإسلامية، ولقد آثر الأنصار بيوتهم وأعمالهم مع المهاجرين، فليسمع أبناؤنا قصص الإيثار وأحاديثه بدلًا من تكريس الأنانية التي هي من أهم ركائز فكر النسوية وتجميلها في أعين الجيل وعبارات دلع نفسكَ دلعي نفسكِ أنت أهم من كل شي، وإليك نموذجًا نسخته نسخًا من مواقع التخريب المنتشرة:

“25‏/12‏/2018 – دللي نفسك كثيراً، وحبي ذاتك بـ عُمق وتذكري دائما أنتي فقط من يستحق❤️. Translate post. 11:09 PM · Dec 25, 2018.”

مع استهجاني لرسمة ما يزعمون أنه قلبٌ لكني نسخته للمصداقية في النقل، فهل بقي بعد هذا التدمير للشخصية تدمير، وأين هو من قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، لقد ضاعت هذه المعاني في خضم بحار الأنانية حتى ضاع الجيل، فسارعي إلى معالجة هذا المرض.

أما التقوى فهي من أهم ما يجب أن يطرق مسامعهم ويدخل قلوبهم وخاصةً وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمته عن العرباض بن سارية: قال: “صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصبح فوعظنا موعظة بليغة زرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

ونعلمهم هذا الدعاء وندعو نحن به وهو من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتِ نفسي تقواها أنت خيرُ مَن زكَّاها أنت وليُّها ومولاها».

ونكثر على مسامعهم قصص وأحاديث الصدق والإخلاص والخوف من الله والرجاء به والاهتمام بتزيين الصحائف للقاء الله والجهاد في سبيله ونصرة الإسلام بدلًا من نصرة النفس بالتكويع “النفاق” للطواغيت حبًا في الدنيا وكراهيةً للموت الذي هو آتٍ لا محالة والحديث يطول وهذا طرفٌ منه.

وأخيرًا؛ أختي هذا حديثٌ من قلبي وأماني أتمناها للجيل القادم من أمتي أسأل الله أن يعينني ويعينك أختي المربية والأم الغيورة عسى الله أن لا يخيب رجاءنا في بناء هذه الأمة، ويزول الوهن الذي لازمها نتيجة حب الدنيا الحب السيئ الذي يحمل الإنسان على حب شهواتها وأموالها، وحب البقاء فيها على سبيل الدعة والقعود عن العمل، ونسيان الآخرة، وكراهية الموت، إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو المستعان على ما يصفون، والحمد لله رب العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٧١ – شوال ١٤٤٦ هـ

لتحميل نسختك من مجلة بلاغ  اضغط هنا  أو قم بزيارة قناتنا على تطبيق التليجرام بالضغط هنا 

Exit mobile version