الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فقد وردت كلمة الروم في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وجاء ذكرها في أشراط الساعة وأخبار المستقبل، فكان هذا الحديث عن معنى الكلمة وبعض ما ورد عنها في القرآن والسنة.
* معنى كلمة الروم:
كان العرب يطلقون كلمة الروم على الأمة النصرانية التي تمركزت في جنوب أوربا والأناضول، وامتدت دولتهم زمنا لبلاد الشام ومصر والمغرب، والمقابلة حضاريا لأمة الفرس ودولتهم المجوسية..
قال ابن كثير في تفسيره: “وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وهم أبناء عم بني إسرائيل، ويقال لهم: بنو الأصفر، وكانوا على دين اليونان، واليونان من سلالة يافث بن نوح، أبناء عم الترك، وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة، ويقال لها: المتحيرة، ويصلون إلى القطب الشمالي، وهم الذين أسسوا دمشق، وبنوا معبدها، وفيه محاريب إلى جهة الشمال، فكان الروم على دينهم إلى مبعث المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة، وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له: قيصر. فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس”.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: “وأما حدود الروم فمشارقهم وشمالهم الترك والخزر [شمال القوقاز] ورس وهم الروس، وجنوبهم الشام والإسكندرية، ومغاربهم البحر والأندلس، وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدود الروم أيام الأكاسرة، وكانت دار الملك أنطاكية إلى أن نفاهم المسلمون إلى أقصى بلادهم..، رومية بتخفيف الياء من تحتها نقتطان..، هي مدينة رياسة الروم وعلمهم، قال بعضهم: هي مسماة باسم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام، وذكر بعضهم إنما سمي الروم روما لإضافتهم الى مدينة رومية واسمها رومانس بالرومية فعرب هذا الاسم فسمي من كان بها روميا، وهي شمالي وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر، وهي اليوم بيد الإفرنج وملكها يقال له: ملك ألمان، وبها يسكن البابا الذي تطيعه الفرنجية”.
وقال أبو حفص ابن الوردي في خريدة العجائب: “أرض الروم.. هذه الأرض كانت في القديم بلاد اليونان فغلبت الروم عليها”.
وملخص ذلك أن “الروم عند العرب هم: الأمة التي تتكون من اليونان والرومان، المنحدرين من الأصل اللاتيني، وأول مواطنهم إيطاليا حالياً بعاصمتها روما. وبعد انتشارهم شرقا وغربا كان العرب يطلقون على سكان أوروبا وآسيا الصغرى اسم الروم، دون نظر إلى الأصل اللاتيني، وباستمرار اتساع وجود الروم هيمنوا على منطقة الشام، وكان العرب ينظرون إليها على أنها جزء من سلطان الروم” [عبد العزيز كامل – أزمة الخليج الرابعة هل تعيد الصراع بين الفرس والروم – مجلة البيان].
ومع اتساع نفوذ حضارة الأوربيين اليوم فإن المعاصرين يطلقون اسم الروم كذلك على المناطق التي تعتبر امتدادا معاصرا لأوربا كأمريكا.
* بعض ما ورد عن الروم في القرآن الكريم:
وردت سورة في القرآن الكريم باسم سورة الروم، وجاء في أولها ذكر للروم وما حصل لهم من هزيمة أول البعثة وإخبار أنهم سينتصرون بعد بضع سنين نصرا يفرح به المؤمنون لوقوعه على الفرس المجوس الذين هم أقرب لكفار قريش من النصارى، قال تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
* بعض ما ورد عن الروم في السنة المطهرة:
وردت كلمة الروم في السنة المطهرة في سياقات متعددة من أهمها:
– دعوتهم إلى الإسلام:
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم كتبا إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام و”لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، «فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ» متفق عليه، وأرسل إليهم كتابا جاء فيه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ»، وقد استدعى هرقل أبا سفيان وكان مشركا يومها ذهب للشام إلى تجارة وسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال هرقل: “إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين”، فقال أبو سفيان لأصحابه حين خرج من عند هرقل: “إنه يخافه ملك بني الأصفر” متفق عليه.
– النهي عن التشبه المذموم بهم:
المفاصلة بين المسلمين والكفار، والبعد عن التشبه بهم خاصة ممن يعظمهم أهل الدنيا لدنياهم، مظهر مهم من مظاهر الإسلام المتناسقة مع مقاصده الكلية وغاياته العامة، ولذا جاء النهي عن التشبه المذموم بالكفار عامة والروم منهم على وجه الخصوص في أحاديث عديدة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم محذرا: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: «وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ» رواه البخاري.
ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلى قاعدا، فصلى الصحابة قعودا، فأشار إليهم فقعدوا، ثم قال بعد السلام: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا» رواه مسلم.
بل عندما طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالسعة كما وُسع على فارس والروم بقوله: “ادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللهَ”، استوى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، وقال: «أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» متفق عليه.
– الحث على جهادهم والبشرى بالنصر عليهم:
قال صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟» رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللهُ» رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية: «سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟» قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا» رواه مسلم، قال أحمد شاكر في عمدة التفسير: “فتح القسطنطينية المبشّر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عزَّ وجلَّ، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه، وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيدًا للفتح الأعظم، ثم هي قد خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين، مُنْذُ أَعْلَنَتْ حكومَتُهم هناك أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية، وعاهدت الكفار أعداء الإسلام، وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
– بيان حقدهم وعداوتهم:
فعن أبي نضرة، قال: “كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ” رواه مسلم، ففي هذا الخبر ما يشير إلى أن الروم يستمرون في عداوتهم للمسلمين حتى بعد فتح الشام حتى يصلون إلى مرحلة منع الأمة المسلمة من حقوقها التي حصلتها بالفتوح، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال النووي المتوفى في القرن السابع الهجري، وكان التتار في زمنه قد استولوا على مشرق أمة الإسلام، في شرحه لصحيح مسلم: “وهذا قد وجد في زماننا في العراق”.
– الإخبار ببعض حوادث الأمة معهم:
ومن ذلك الهدنة التي تحصل مع الروم قبل قيام الساعة، فيغدرون، فتقع الملاحم بين جيوش المسلمين وجيوش الروم بعد أن يسلم عدد من الروم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ» رواه مسلم، قال النووي في شرح مسلم في تفسير: «خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ»: “روي سبوا على وجهين؛ فتح السين والباء وضمهما، قال القاضي في المشارق: الضم رواية الأكثرين، قال: وهو الصواب، قلت: كلاهما صواب؛ لأنهم سُبوا أولا ثم سَبوا الكفار، وهذا موجود في زماننا؛ بل معظم عساكر الإسلام في بلاد الشام ومصر سُبوا ثم هم اليوم بحمد الله يَسبون الكفار، وقد سَبوهم في زماننا مرارا كثيرة، يَسبون في المرة الواحدة من الكفار ألوفا، ولله الحمد على إظهار الإسلام وإعزازه”.
– ذكر حالهم عند قيام الساعة:
ومن ذلك ما رواه مسلم أن المستورد القرشي رضي الله عنه كان عند عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فقال له عمرو: “أَبْصِرْ مَا تَقُولُ”، قال: “أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”، قال: “لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ”.
* وقد فسر العلماء كثرة الروم عند قيام الساعة بأمور منها:
– أن الساعة تقوم على شرار الخلق بعد وفاة المؤمنين، والروم أكثر الأشرار يومها، قال المناوي في فيض القدير: “تقوم الساعة، أي القيامة، والروم أكثر الناس، ومن عداهم بالنسبة إليهم قليل، وثبت في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة، لكن يكون الروم وهو قوم معروفون وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت”، ولعل هذا التفسير أقرب التفاسير، ومما يشير إلى أن كثرتهم ليست مدحا فيهم قوله تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)، وقوله جل وعلا: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
– أن الروم يسلمون آخر الزمان، قال ابن كثير في البداية والنهاية: “هذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فهم أولاد عم بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق، فالروم يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل، فإن الدجال يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان، فهم أنصار الدجال، وهؤلاء أعني الروم، قد مدحوا في هذا الحديث، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم، والله أعلم”.
– أن المقصود بالروم هم النصارى، قال القرطبي في المفهم: “هذا الحديث قد صدقه الوجود، فإنَّهم اليوم أكثر من في العالم غير يأجوج ومأجوج؛ إذ قد عمروا من الشام إلى أقصى منقطع أرض الأندلس، وقد اتسع دين النصارى اتساعا عظيما لم تتسعه أمة من الأمم”.
– أن كثرة الروم هي كثرة لغتهم، قال الطريفي في أشراط الساعة رواية ودراية: “والتعليل الذي أظنه وأفهمه من هذا الحديث في قول النبي عليه الصلاة والسلام: «حتى يكون الروم أكثر الناس» لا أعلم من أشار إليه، ولكن هو اجتهاد إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي، هو انتشار اللسان الأعجمي، فالعربي هو من تكلم العربية ولو أكان أعجمياً؛ ولهذا العرب تقول: الأعرابي من سكن البادية ولو كان أعجمياً، والأعجمي من تكلم الأعجمية ولو كان عربياً؛ في إشارة إلى تعلم الإنجليزية وفشوها في الناس، وبه نعلم أن ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: «الروم أكثر الناس» هم ليسوا أكثر الناس عدداً وأقل الناس محاربة لسنن الله الكونية من سنة التكاثر الفطري يحاربون ذلك، ولكن فشت لغتهم، فأخذها سلوكاً كثير من العرب والعجم، فتكلم بها بسبب الاستعمار أو الغزو الفكري كثير من الناس، وأصبحوا روماً، وإن كان أصلهم لا يرجع إلى ذلك العرق؛ ولهذا المتأصل عند العرب أنه يكون الرجل عربياً إذا تكلم وانغمس معهم وتكلم العربية، ويكون الرجل أعجمياً إذا انغمس مع العجم وتكلم الأعجمية، وهذا ظاهر، ومن يتكلم في أشراط الساعة يشير إلى مسألة العدد، وليس هذا بظاهر”، ولم يظهر لي هذا القول؛ فالتكلم بلغة أعجمية لا يجعل المرء من أهلها عادة إلا إذا غلبت على لغته الأصلية وعاش بينهم أو تحت سلطانهم.
– أن كثرتهم بسبب اتصافهم بتلك الصفات التي ذكرها عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال محمد الإثيوبي في البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج: “الذي قلته فيهم من أن الساعة تقوم وهم أكثر الناس، فهم أحق بذلك؛ لأن عندهم ما يستحقون به ذلك، وهي الخصال الأربعة”.
ولكن قال القرطبي في المفهم: “ووصف عبد الله بن عمرو لهم بما وصفهم به من تلك الأوصاف الجميلة، إنما كانت غالبة على الروم الذين أدرك هو زمانهم، وأما ما في الوجود منهم اليوم فهم أنجس الخليقة وأركسهم، وهم موصوفون بنقيض تلك الأوصاف”.
فهذا الاجتهاد من عمرو بن العاص رضي الله عنه، إما أنه:
– حديث عن صفات الروم بالعموم.
– أو متعلق بما رآه في روم عصره.
– ويحتمل أن يكون مراد عمرو بن العاص رضي الله عنه بـ”الناس”: غير المسلمين، فيكون عمرو رضي الله عنه فضلهم على كفرة الهنود والبربر وما شابه ذلك.
– ويحتمل أن يكون مراده بالروم من أسلم منهم وقتها في بلاد الشام.
وقد بحثت في شروحات وكتب السابقين فجل ما وجدته هو شرح لتلك الصفات دون ربطها بالروم، وصرح القرطبي باتصافهم في عصره بنقيض ذلك، وأما المعاصرون فتكرر من بعضهم تأكيد وجود ذلك فيهم، وإن كنت أظن أن للضغط الحضاري دور في تأكيد بعض ذلك.
والروم في عصرنا:
– يتصفون بحدة هي ضد الحلم كما في حروبهم العالمية الأولى والثانية ومقدمات الثالثة حاليا.
– وكانت اليابان أسرع إفاقة من أكثر دول أوربا بعد هزيمتها في الحرب العالمية.
– وأما الكرة بعد الفرة فالاتحاد السوفيتي انكسر قبل ثلاثين عاما ثم عادت روسيا للكرة بعد الفرة قبل أن تعود ألمانيا التي انكسرت قبل سبعين عاما.
– وأما الخيرية للمساكين والأيتام والضعفاء فهم حاليا من أشر الناس عليهم؛ حيث تفككت الأسر وألقى الآباء بأبنائهم الصغار والأبناء بآبائهم الكبار في دور الأيتام والعجزة.
– وأما المنع من ظلم الملوك فلم تعرف البشرية المعاصرة سبيا منظما للأولاد كما يحصل الآن في أوربا من خطف الأبناء من آبائهم بقوة الدولة وحرمان الآباء من أولادهم وإلحاقهم بعائلات أخرى ترعاهم، وهو ظلم تتمنع من قبوله الحيوانات، ولكنهم أضل منها فتقبلوه.
وبالعموم فقد قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فكفرة الروم بالعموم من الجزعين عند الشر المانعين عند الخير؛ لأنهم ليسوا من المتصفين بالصفات المذكورة.
والحمد لله رب العالمين.