الدكتور: أبو عبد الله الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
* فيعتبر كتاب صور من جهاد الصحابة (عمليات جهادية خاصة تنفذها مجموعات خاصة من الصحابة) لصلاح عبد الفتاح الخالدي رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى مكملا لتهذيبه الرائع لكتاب مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق أو مثير الغرام إلى دار السلام، الذي ألفه الإمام المجاهد الشهيد ابن النحاس الذي استشهد في جهاد الصليبيين سنة 814 ه، وقد لاقى هذا التهذيب الذي يتناول فضائل الجهاد قبولا وانتشارا واسعا.
* كتاب صور من جهاد الصحابة يتكون من:
– تمهيد: يتناول منزلة الجهاد في الإسلام وأصالته وأهميته وترجمته العملية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
– عشر صور لجهاد الثبات (العصابات) التي قام بها الصحابة، مرتبة وفق تسلسلها الزمني الذي رجحه الكاتب.
* في تمهيده لكتابه صور من جهاد الصحابة، وبعد أن بين الكاتب منزلة الجهاد في الدين، وسيرة رسولنا المجاهد صلى الله عليه وسلم، وجهاده بالبيان والسنان، واقتداء الصحابة رضي الله عنهم به، وثناء الله عليهم، وما تضمنته النصوص الشرعية من توجيهات ومصطلحات جهادية، أوضح الكاتب رحمه الله أن قوله تعالى: ((فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا)) تدل على نوعين من الجهاد هما:
الأول: جهاد الثبات (العصابات) أو المجموعات ((فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ)): تقوم فيه مجموعة جهادية مكونة من عدد قليل من المجاهدين -أقل من عشرة مجاهدين غالبا- بعملية جهادية خاصة.
الثاني: جهاد الجميع ((انْفِرُوا جَمِيعًا)): وهنا يقوم المجموع بغزوة (يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم) كغزوة بدر وأحد والخندق وفتح مكة وحنين وغيرها وسرية (لا يشارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم) كغزوة مؤتة وغيرها.
وبعدها أشار إلى أن هذا الكتاب يعنى بالنوع الأول.
* بعد التمهيد شرع الكاتب رحمه الله في سرد الصور الجهادية وفق تسلسلها الزمني الذي رجحه وبأسلوب مختصر وشيق، غير أني ارتأيت في مقالي المختصر هذا أن أتناولها مرتبة باعتبار الهدف من كل عملية، مقسما لها إلى:
أولا: عمليات ذات هدف اقتصادي (حرب اقتصادية).
ثانيا: عمليات بهدف أسر أو تصفية شخصية لرؤوس الكفر والإجرام (الاغتيالات).
ثالثا: عمليات ذات أهداف مختلطة (سياسي- اقتصادي- ردعي..).
أولا – عمليات ذات هدف اقتصادي (حرب اقتصادية):
1 – مجموعة عبد الله بن جحش الأسدي رضي الله عنه:
– التاريخ: هي أول مجموعة مجاهدة يشكلها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الرابعة بين السرايا، والثامنة بين مجموع الغزوات والسرايا، وحصلت في منتصف السنة الثانية للهجرة.
– الهدف: التعرض لقافلة تجارية كبيرة لقريش قادمة من الطائف في منطقة بطن نخلة.
– العدد: ثمانية، بقيادة عبد الله بن جحش رضي الله عنه.
– النتيجة: اغتنام القافلة وقتل مشرك وأسر اثنين أسلم أحدهما لاحقا وتم مفاداة الثاني.
– فيها أنزل الله قرآنا يتلى، وهو قوله تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)).
2 – عملية سيف البحر، ومجموعة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه:
– التاريخ: بعد غزوة الأحزاب وقبل صلح الحديبية.
– العدد: ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
– الهدف: اعتراض قوافل قريش المارة في منطقة سيف البحر، وتأديب أحياء من قبيلة جهينة لتعرضهم للمسلمين بالأذى.
– النتيجة: كرامة حوت العنبر وأكل الصحابة منه بعد الجوع والمشاق التي تعرضوا لها، وتأديب المشاغبين من قبيلة جهينة، ورصد عير قريش.
ثانيا – عمليات تهدف لأسر أو تصفية شخصية لرؤوس الكفر والإجرام:
1 – عملية قتل زعيم الغدر اليهودي كعب بن الأشرف على يد مجموعة محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه:
– التاريخ: ليلة الرابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاثة للهجرة.
– العدد: خمسة، بقيادة محمد بن مسلمة رضي الله عنه.
– الهدف: اغتيال كعب بن الأشرف زعيم يهود بني النضير لعداوته للإسلام والمسلمين ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وتأليب اليهود وتحريض المشركين على قتال المسلمين.
– النتيجة: نجاح العملية، واغتيال كعب بن الأشرف، وإرهاب اليهود، وقيام محيصة بن مسعود رضي الله عنه بقتل ابن سنينة اليهودي.
2 – قتل زعيم يهود خيبر سلام بن أبي الحقيق على يد مجموعة عبد الله بن عتيك رضي الله عنه:
– التاريخ: السنة الخامسة للهجرة.
– العدد: خمسة، بقيادة عبد الله بن عتيك رضي الله عنه.
– الهدف: اغتيال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق لعداوته للإسلام والمسلمين وتحريض المشركين على قتال المسلمين.
– النتيجة: نجاح عملية الاغتيال وإرهاب اليهود.
3 – عملية اغتيال سفيان بن خالد الهذلي على يد مجموعة عبد الله بن أنيس رضي الله عنه:
– التاريخ: شهر محرم من السنة السادسة من الهجرة.
– العدد: واحد هو عبد الله بن أنيس رحمه الله.
– الهدف: اغتيال سفيان بن خالد الهذلي الذي يعتبر رأسا في الكفر ومعاداة الإسلام والمسلمين ونبينا صلى الله عليه وسلم وحشد جيش لقتالهم في منطقة نخلة في معسكر عرنة.
– النتيجة: نجاح عملية الاغتيال وانفضاض الجيش الذي كان يعد لقتال المسلمين.
4 – عملية أسر ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة على يد مجموعة محمد بن مسلمة رضي الله عنه:
– التاريخ: شهر محرم من السنة السادسة للهجرة.
– العدد: ثلاثون بقيادة محمد بن مسلمة رضي الله عنه.
– الهدف: تأديب بكر بن كلاب الذين كانوا يقيمون بين مكة ونجد، وأسر سيد اليمامة ثمامة بن أثال الذي عادى الإسلام والمسلمين ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وكان يجمع جيشا لقتالهم.
– النتيجة: النجاح في تأديب بكر بن كلاب وأسر ثمامة بن أثال ثم إسلامه بعد عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وعدم تزويده لقريش بالحبوب إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 – عملية اغتيال أبي سفيان زعيم مكة على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه:
– التاريخ: شوال من السنة السادسة للهجرة.
– العدد: اثنان عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم الأنصاري رضي الله عنهما.
– الهدف: اغتيال أبي سفيان زعيم قريش الذي أرسل رجلا لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفشل في ذلك.
– النتيجة: عدم نجاح عملية اغتيال أبي سفيان وتمكن عمرو بن أمية رضي الله عنه من قتل ثلاثة من المشركين وأسر رابع وإرهاب المشركين.
6 – عملية قتل الأسود العنسي على يد فيروز الديلمي ومجموعته:
– التاريخ: أواخر السنة العاشرة للهجرة.
– العدد: أربعة بقيادة فيروز الديلمي.
– الهدف: قتل الأسود العنسي الذي ادعى النبوة وسيطر على صنعاء.
– النتيجة: قتل الأسود العنسي وتفرق جيشه وعودة صنعاء واليمن للحكم الإسلامي تحت إمرة معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ثالثا – عمليات ذات أهداف مختلطة (سياسي- اقتصادي- ردعي):
1 – غزوة ذي قرد وعملية سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:
– التاريخ: بعد صلح الحديبية في نهاية السنة السادسة من الهجرة.
– العدد: واحد، سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
– الهدف: استرداد ما نهبه مشركو غطفان من المدينة وردعهم وتأديبهم.
– النتيجة: النجاح في استرداد ما نهبه مشركو غطفان، واغتنام فرسين منهم، وقتل عدد من المشركين، وردع مشركي غطفان وتأديبهم.
2 – مجموعة أبي بصير رضي الله عنه:
– التاريخ: بعد صلح الحديبية.
– العدد: ابتدأ بأبي بصير ونائبه أبي جندل رضي الله عنهما ووصل إلى ثمانمائة رجل.
– الهدف: اقتصادي (قطع طريق قوافل قريش في سيف البحر) ببعد سياسي حصل من خلاله التزام النبي صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية وإجبار قريش على الترجي في طلب إلغاء البند المتعلق بتسليم من يأتي المدينة مسلما من قريش.
– النتيجة: تحقق الهدفين الاقتصادي والسياسي.
* أخيرا: فإن جهاد الثبات أو حرب العصابات هو أحد أنواع الجهاد التي وضحتها النصوص الشرعية، وترجمها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واقعا عمليا بعمليات نوعية سطرها التاريخ؛ لتكون نماذج اقتداء للمسلمين في كل زمان ومكان، خاصة في مسيرتهم نحو التحرر والتمكين.
والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٤٤ جمادى الآخرة ١٤٤٤هـ