الآنسة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
آية في كتاب الله هي ملخص الحياة بل حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة، وهي المرجع لنا في خضم الفتن التي تُحير الحليم وتأخذه في غمرة أمواجها غيره.
آية تثبت المؤمن وتمنحه التوازن النفسي وتبعث في نفسه النشاط للعمل الدؤوب والإخلاص لله مادام الأمر عبادة لمن يستحق وحده العبادة، وأن هناك ربًا يُعبد وعبد يٓعبد والحياة كلها مكونة على هذا الاعتبار، وأن كل ما نحوزه في الدنيا من متاع من أموال وأولاد ومُلك ومناطق سيطرة أو ذكاء وقوة وإمكانيات إن لم يكن سبيلًا للقرب والتقرب إلى الله ولم يكن سببا في دخول الجنة ولم يوظف لرضا الله فهو هباء لا فائدة منه لأنه يشغل صاحبه في الدنيا ثم ينتهي بالموت.
ألم يقل الله عز وجل في محكم كتابه {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55].
فأين المعتبر!!
وأين القلب المملوء باليقين!!
هذا اليقين الذي هو زاد النفس المؤمنة في مسيرتها إلى رضا الله وفي طريق صناعة النصر وتمكين منهج الله في الأرض، حين تعلم النفس أن الإنسان في هذه الأرض للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى جاء لينهض بها، فترى طاعة لله وعبادة له لا أرب له فيها ولا غاية له من ورائها إلا الطاعة، وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله، ومن أنس برضى الله عنه ورعايته له، ثم يجده في الآخرة تكريمًا ونعيمًا وفضلًا عظيمًا.
أقول هذا الكلام تثبيتًا لقلوبنا في هذا العصر الذي أحكم أعداؤنا به تضييقهم علينا وبلغ إفسادهم أن اشتروا ذمم وضمائر أناس من بيننا ليضيقوا على مجاهدينا ويضعون كوادرنا والمصلحين منا في مأزق ودوائر مفرغة تضيع جهودهم ولا يرون ثمرات أعمالهم.
وهنا يتجلى إيمان المؤمن الذي علم مغزى الحياة ولماذا خلقه الله فيفر إلى الله ويتحرر من الأحزان والآلام فيكون قد أخلص لله واستقر في الوضع الكوني الأصيل: عبدًا لله خلقه الله لعبادته وقام بما خلق له وحقق غاية وجوده.
فمن مقتضيات العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض وينهض بتكاليفها ويحقق أقصى ثمراتها، وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها خالص القلب من جواذبها ومغرياتها.
ومن مقتضياته أيضًا أن يعرف أن قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها ومن نية الفاعل لا من نتائجها فالنتيجة والنصر والفوز بيد الله يؤتيه متى يشاء وعلى من يشاء.
نحن أجرنا في الآخرة وجهادنا عبادة لله لا غير.
أحد المجاهدين أخذته الحسرة أنه بذل جهدًا ووقتًا وتفرغ للجهاد هنا في بلاد الشام هذه السنوات الطويلة ثم وجد نفسه في مكانه لم يتقدم شيئًا، ولولا إيمانه ويقينه بأنه يتعبد لله بهذا الجهاد لترك الساحة كما تركها الكثيرون ولكنها العبودية الحقة وجمالها في قلب المؤمن.
وأنت أختي المؤمنة اعملي في إعداد الجيل ليتحمل الأمانة، وامضي في الطريق الصحيح وثبتي الهوية الإسلامية في بيتك وتربية أبنائك قلبًا وقالبًا، وإياك والتنازل والانجرار خلف مجتمعنا المضيع لهويته.
والنتيجة موكولة إلى الله يأتي بها وفق قدره الذي يريده نحن عباد لله في هذه الأرض والعبد عندما يؤدي هذه العبادة على وجهها الصحيح يستمتع براحة الضمير وطمأنينة النفس وصلاح البال في جميع الأحوال سواء رأى ثمرة عمله أم لم يرها، تحققت كما قدرها أم على عكس ذلك فهو قد أنهى عمله وضمن جزاءه عند تحقيق معنى العبادة واستراح وما يقع بعد ذلك خارج عن حدود وظيفته، وقد علم أنه عبد فلم يعد يتجاوز بمشاعره ولا مطالبه حدود العبد وعلم أن الله ربٌ فلن يتقحم فيما هو شؤون الرب، ورضي الله عنه ورضي هو عن الله.
وهكذا تتجلى جوانب تلك الحقيقة الضخمة الهائلة التي تقررها هذه الآية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهي حقيقة كفيلة أن تغير وجه الحياة كلها عندما تستقر حقا في الضمير، كما يقول صاحب الظلال رحمه الله: “وفي زمننا هذا الذي أخبرنا عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أُمرنا بالإكثار من الدعاء وهو من العبادة والتضرع إلى الله كتضرع الغريق إلى جانب الجهاد والأخذ بالأسباب”، وذلك لكثرة الفتن وضياع الحقائق والحقوق.
وللحديث بقية إن شاء الله.. نسأل الله التوفيق والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.