الشيخ رامز أبو المجد الشامي
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
▪️روى ابن حبان في صحيحه، من حديث رفاعة بن رافع قال: “قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على المنبر، ثم بكى فقال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامَ الأولِ على المنبر، ثم بكى فقال: سَلُوا اللهَ العفوَ والعافيةَ؛ فإن أحدًا لم يُعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية”،
▪️و(روى ابن ماجه في سننه) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما مِنْ دعوةٍ يدعو بها العبدُ أفضل من: اللهم إني أسألكَ المعافاةَ في الدنيا والآخرة”
▪️ فليس هناك نعمة -بعد شهادة التوحيد والإيمان بالله-، مثل نعمة العافية، وهي السلامة في الدين من الفتنة، وفي البدن من سيئ الأسقام وشدة المحنة، فهي من الألفاظ العامة المتناوِلة لدفع جميع المكروهات، وهي بذلك أجلُّ نِعَم الله على عبده، فيتعيَّن مراعاتها وحفظها، فسَلُوا اللهَ العافيةَ عبادَ اللهِ، واطلبوا منه -عز وجل- أن يَمُنَّ عليكم بها؛ فإنها نعمة عظيمة.
▪️ قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: “جُمِعَ بين عافيتَي الدِّين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية؛ فاليقينُ يدفع عنه عقوباتِ الآخرة، والعافيةُ تدفع عنه أمراضَ الدنيا في قلبه وبدنه، فجُمِعَ أمرُ الآخرة في كلمة، وأمرُ الدنيا كله في كلمة”، وكان من تمام هديه -عليه الصلاة والسلام- سؤال الله العافية غدوةً وعشيًّا.
▪️مرَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوم مُبتَلِينَ فقال: “أما كان هؤلاء يسألون اللهَ العافيةَ؟!”، (رواه البزار من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وصحَّحه الإمام الألباني -رحمه الله تعالى-)، واستفهامُه -صلى الله عليه وسلم- عليهم إنكارًا؛ وكأنه -عليه الصلاة والسلام- يقول لهم: تستسلمون لهذا الداء وعندكم الدواء والعلاج الناجع لِمَا أَلَمَّ بكم، وهو الدعاء بالعافية؟
▪️والعافِيَةُ: كَلِمَةٌ جامِعَةٌ كافِيَةٌ، وكَلِمَةٌ شافِيَةٌ وافِيَةٌ، ومَنْ عَلِمَ قِيمَةَ “هذا الكَنْز”، واظَبَ على الدُّعاءِ بِطَلَبِها؛ لِيَحْظَى بِخَيْرَي الدنيا والآخرة. فَمَنْ حازَ “كَنْزَ العافِيَةَ”، فقد حازَ “نَفائِسَ الرِّزْق”؛ لأنَّ العافِيَةَ هي “مِفْتاحُ النَّعِيم”، و”بابُ الطَّيِّبات”، و”كَنْزُ السُّعَداء”، والخَيْرُ بدونِها قَلِيلٌ – ولو كَثُر، والعِزُّ بدونِها حَقِيرٌ – ولو شَرُف.
▪️قال شَكَلُ بْنُ حُمَيْدٍ رضي الله عنه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي دُعَاءً أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ: عَافِنِي مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَلِسَانِي، وَقَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي» صحيح – رواه النسائي. قَالَ وَكِيعٌ رحمه الله: («مَنِيِّي» يَعْنِي: الزِّنَا وَالْفُجُورَ).
▪️أنواع العافية :
والعافية بمعناها العلم تشمل الدين والدنيا والجسم والمال والأهل
١- المعافاة في الدين : أن يعافيك الله من الشرك والكفر والبدع والأهواء وبترك المعاصي والذنوب
٢- المعافاة في البدن : أن يصرف الله عنك الأدواء والأمراض والأسقام
٣ – المعافاة في الأهل والأولاد: فلا تشاهد فيهم ما يحزنك من أنواع البلايا
٤- المعافاة في المال: أن ينميه الله لك ويكثره ويبارك لك فيه فتقضي بالقليل منه الحوائج الكثيرة .
٥- والعافِيَةُ في الآخِرَة: طَلَبُ الوِقايَةِ مِنْ أَهْوالِ الآخِرَةِ، وشَدَائِدِها، ومَا فِيهَا مِنْ أَنْواعِ العُقُوبات.
وغيرها الكثير من الأنواع التي تقوم بها الدنيا والدين والآخرة
▪️قال أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِي رحمه الله: (العافِيَةُ: المُلْكُ الخَفِيُّ).
▪️وكان مِنْ دُعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ: أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي» رواه مسلم. ومن دعائه أيضًا: «وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا» حسن – رواه الترمذي. وكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ رحمه الله يَقُولُ: (اللَّهُمَّ: إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا).
▪️قال ابن عمر رضي اللّه عنه ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يترك هذه الكلمات في كل صباح ومساء: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي….
▪️ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى أهَمِّيةِ الدُّعاءِ بِالعافِيَة؛ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ: «سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ؛ فَقَالَ لِي: «يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ! سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» صحيح – رواه أحمد، والترمذي.
الشيخ رامز أبو المجد, [06/01/45 01:43 م]
▪️وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ: «يَا عَمِّ! أَكْثِرِ الدُّعَاءَ بِالعَافِيَةِ» حسن – رواه الطبراني، والحاكم.
▪️قال النَّوَوِيُّ رحمه الله: (وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْأَمْرِ بِسُؤَالِ العَافِيَةِ، وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ العَامَّةِ المُتَنَاوِلَةِ لِدَفْعِ جَمِيعِ المَكْرُوهَاتِ فِي البَدَنِ وَالبَاطِنِ، فِي الدِّينِ، وَالدُّنْيَا، وَالآخِرَةِ).
▪️ولا شكّ أن العافية اذا حلّت بالأفراد والأسر والمجتمعات والدول نمت وتقدمت وازدهرت.
▪️والناظر إلى ثورتنا الجهادية في سوريا يلاحظ البلاء الذي نزل بها سواء البلاء العسكري والسياسي والاقتصادي والأمني والشرعي وبلاء تسليم قرارها لغير أبنائها وغير ذلك من أنواع البلاءات…
الأمر الذي يوجب ويحتّم على كل غيور وحرّ ومخلص أن يساهم في عافيتها كلّ منا بما يستطيع لتستعيد عافيتها وقرارها ولتعود حلوة خضرة بإذن اللّه سبحانه وتعالى
▪️سائلين الله تعالى أن يعافينا ويعفو عنا إنه جواد كريم ، اللهم إنا نسألك العفو والعافيه وتمام العافية والشكر على العافية والمعافاة التامة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
هنا بقية مقالات العدد الحادي والخمسون من مجلة بلاغ لشهر المحرم ١٤٤٥هـ
https://fromidlib.com/مقالات-مجلة-بلاغ…٥١-_-المحرم-١٤٤٥/