المبادرة أصل الثورة – كلمة التحرير من مجلة بلاغ العدد السادس عشر، لشهر صفر ١٤٤٢

كلمة التحرير

لقد كان رأس مال الثورة السورية حين انطلاقها مبادرات متعددة اجتمعت على حرب الفساد واستخدمت الوسائل التي وصلوا لها؛ فليس في الثورة شيء يقال عنه وسائل متاحة، بل إن الحاجة أم الاختراع والحاجة تفتق الحيلة، ولكن الحاجة لا تفتق الحيلة وحدها ولا تعين على الاختراع ما لم تصادف نفسا طموحة مبادرة لا ترضى بالارتهان للحاجات المفقودة.

 

 وعندما تكون تلك الحاجة في سبيل الله تعالى وعملا لمرضاته جل وعلا؛ فإن البشرى القرآنية قائمة لعباد الله المتقين: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ).

 

 وهكذا قامت الثورة في بدايتها مستقلة في مسيرتها عن التطويع والاحتواء الذي لا يلبي حقيقة تضحيات أبناء الإسلام في هذه الأرض المباركة، ولو قبلت الثورة يومها أن تسير في فلك النظام الدولي لسارعت الدول المتآمرة إلى إزاحة الطاغية المحترقة صورته ولَوَسدت طاغية جديدا لا معرفة للناس به.

 

 وإننا اليوم بعد عشر سنين من الجهاد في سبيل الله تعالى بأرض الشام المباركة لنلحظ كما يلحظ عامة الناس كيف أن الدول المتآمرة تسعى لاحتواء الثورة عبر الترغيب والترهيب والابتزاز والكذب والخداع واستهداف الفاعلين والتضييق على الصادقين، ولكن..، ولكن أنى لهم أن يحققوا هدفهم إن كانت الأمة ولودا، وفي كل شِعب من شعابها حمزة الخطيب، وفي كل قرية من قراها حسين هرموش وعبد القادر الصالح وأبو عمر سراقب، واستشهاديون، وانغماسيون، ومُبدِعون، مجددون لطرق الثورة، مبادرون.

 

 فعلى طلائع المجتمع ونخبه الواعية الصادقة أن تبادر لاختراع الوسائل وتجديد الطرق التي تَخرج بهم وبالأمة عن الإطار التوظيفي لمصالح الآخرين لتصب جهودهم في النفع الحقيقي للأمة وتحقيق مطالبها المشروعة والدفاع عن دينها وحرماتها والثأر لإسلامها وشهداء أمتنا الأبرار.

 

 – إن المبادرة تعني ألا يحتقر أحدنا جهده لو بذل فيه وسعه وألا يستبطئ ثمرته، و”إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَلَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَل”.

 

 – وتعني عدم التهرب من المسؤولية بإلقاء العبء والتقصير على آخرين، بل المسؤولية الفردية أصل التكليف، وتقصير الغير لا يبيح تقصير الفرد، (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا).

 

 – وتعني البحث الجاد عن وسائل جديدة، وتفعيل الوسائل القديمة المهملة، وإرشاد المبادرين إلى ما يعينهم في الطريق.

 

 – وتعني الاستجابة للمبادرات الصادقة واستكمالها واستغلال الفرص السانحة.

 

 – وتعني العمل الحقيقي على إحداث تغيير جذري عميق في مسيرة الصراع مع العدو الكافر يغير موازين القوى على الأرض ويحقق مصالح المسلمين.

 

 – وتعني ألا يقتصر المرء على المكرر المعروف والعمل المألوف، بل لعل في الزوايا والخبايا أبوابا من الفرج والفتح المبين.

 

 بالله يا قومنا هبوا لشأنكم ** فكم تناديكم الأشعار والخطب 

 

 فشمروا وانهضوا للأمر وابتدروا ** من دهركم فرصة ضنت بها الحقب 

 

 لا تبتغوا بالمنى فوزاً لأنفسكم ** لا يصدق الفوز ما لم يصدق الطلب

 

 لنطلبن بحد السيف مأربنا ** فلن يخيب لنا في جنبه أرب

 

 ونتركن علوج الكفر تندب ما ** قد قدمته أياديها وتنتحب 

 

 ومن يعش ير والأيام مقبلة ** يلوح للمرء في أحداثها العجب

 

 * فبادر أخا الإسلام، فلعلك تفتح بابا يلج منه الصادقون، وينكسر بسببه جيش الغاصبين، و “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا“.

هنا بقية مقالات العدد السادس عشر من مجلة بلاغ الشهرية لشهر صفر 1442 

 

Exit mobile version