الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا يؤلم الجرح إلا من به ألم، ولا يحس بالمريض إلا مريض، ولا يعرف قرصة الجوع من ملأ بطنه، ولا يحس قسوة الشتاء وحر الصيف سوى سكان الخيام والمشردون، ولا يعرف خوف القصف والطيران والدمار إلا من تعرض له، ولا يحقق معنى المؤازرة والمناصرة إلا أهلها المجاهدون.
نصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ»، وهل هناك كربٌ أشد من القصفِ والقتلِ والتدميرِ والتشريدِ والنزوح، وفقدانِ الأهلِ والولدانِ والخلّانِ وخرابِ البيوتِ على رؤوس ساكنيها، والإصاباتِ والجراحِ والبتر ونزف الدماء، وخذلان الأمة لأقدس قضاياها!!!
تتنوع مساعدة ونصرة للمسلمين بين بعضهم، فتكون بالنفس والمال واللسان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم» صحيح أبي داوود، هذا الجهاد والنصرة في أي مكان وجدوا وفي أي زمان جاهدوا، لا تحدنا حدود ولا تمنعنا أقطار وحكومات أو قوانين وأنظمة.
الجهاد بالنفس والقتال، وإنفاق المال، ونشر المقاطع والصور، والتحريض الإعلامي، وكشف كذب وخُدَعِ الأعداء، كل هذا داخل في باب الجهاد الواجب، والناس فيه بين مجتهد مثاب وفاعل مقتصد وتارك ظالم لنفسه.
ومع ما نراه اليوم من هبة عالمية في شتى بقاع الأرض تحاول دعم ونصرة القضية الفلسطينية بدعوى الإنسانية، بشتى الوسائل وعلى جميع الأصعدة، ورغم انتشارها وقوتها سواء في المدن الإسلامية أو العربية بل والغربية منها، إلا أنها تقف ضعيفة بل وعاجزة عن إدخال قارورة ماء أو لصاقة جرح أو منديل جاف إلى المسلمين المحاصرين المستضعفين في جنوب فلسطين أرض غزة الحبيبة.
لا سيما وخلال 14 يومًا فقط في حرب إبادة دامية قاصمة هادمة، استطاعت أمريكا وحلفاؤها إيصال أكثر من 45 طائرة شحن عسكرية بوزن يفوق 1000 طن من الأسلحة والمتفجرات لعزيز قدرات بني صهيون المحتلين، أبادت البشر والحجر والشجر والأنعام، لا نعرف متى يتوقف هذا الدعم، وكم سيصل حجمه وكميته وتكلفته إلى حين انتهاء المعركة.
في المقابل وأمام جهود ملايين الشعوب والحكومات وبعض منظمات الغربية الإنسانية، وبعد اجتماع أمراء وقادة جيوش، وأساطيل من عتاد وسلاح ودبابات وطائرات، وأطنان من ذخيرة ومتفجرات، استطاعت “المقاومة الناعمة” إن صح تسميتها؛ بعد مرور 14 يومًا إدخال 20 شاحنة فقط، مساعدات طبية وغذائية وماء وأكفان نسائية ورجالية حتى يموت أهل فلسطين دون أن يسمعوا العالم أنهم بحاجة أكفان، ورغم ذلك لم تكف هذه الأكفان والمساعدات لعشر أعداد النازحين والمصابين والمرضى والجرحى في القطاع وزعت وانتهت في اليوم نفسه.
لو قارنا بين الدعمين؛ الدعم الناعم “السلمي” والحرب الإعلامية والاقتصادية والمعنوية لدى من يدعمون الجانب الفلسطيني “أصحاب الحق والأرض”، أمام الدعم الخشن “العسكري” والحرب الإعلامية والعسكرية والاقتصادية والمعنوية لدى من يدعمون الجانب الصهيوني “المحتلين”، لوجدنا انعدام مقارنة واضحًا فاضحًا، بل المقارنة هنا محرمة غير مقبولة، لعدم توفر موازين متكافئة، وكيف تقارن ملايين أطنان المتفجرات ببعض قوارير الماء والأكفان!
لذا كان لزامًا علينا التنبيه إلى عدم جدوى فاعلية هذه الطرق المخدرة الناعمة مع التأكيد على ضرورتها وأهميتها، فهي تخدر الشعوب وتجعلها تحس بأن قدمت وفعلت ما عليها، وأنها لم تقصر في دعم ونصرة القصية الفلسطينية، وهي في الحقيقة عاجزة ضعيفة لم تفعل شيئا..
بل الواجب علينا كـمسلمين دعم ونصرة إخواننا المسلمين في فلسطين بالطرق التقليدية الشهيرة المعروفة، وهي “الجهاد في سبيل الله”، بالعدة والعتاد والقتال والمؤازرة، بالحديد والنار والمتفجرات والطلقات والصواريخ والتحرك الميداني على الأرض.
قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [النساء: 75].
وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 36]، جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله قوله، أي: “وأما قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فيحتمل أنه منقطع عما قبله، وأنه حكم مستأنف، ويكون من باب التهييج والتحضيض، أي: كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون”.
هذا حكم الله العدل الذي أقره في كتابه وأرسل به رسله وأنبياؤه، لا ظلم فيه ولا جور ولا تعدي، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194].
القتل بالقتل، والأسر بالأسر، والقصف بالقصف، والتهجير بالتهجير، قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، وقال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) [النحل: 126]،
أفضل وأرقى أنواع العز “الجهاد في سبيل الله”؛ هذا النوع من الدعم العسكري الجهادي الخشن كما يفعل الأعداء يرفع المعنويات والهمم لدى أهل فلسطين ومجاهديها، ويقلب الموازين رأسا على عقب، ويقدر على إدخال أطنان المساعدات الطبية والغذائية والعسكرية، بل إن النصرة العسكرية بالجهاد يغني عن هذا النوع من المساعدات، فاستعادة الأرض وحماية العرض والنكاية في العدو وردعه أهم من الأكل والشرب، والخوض في حرب اقتصادية وإعلامية لن تسمن ولن تغني من جوع ولن تردع العدو.
ولعلك تشاهد ردة فعل العالم الإسلامي والعربي وأهل فلسطين وشدة فرحهم حين يتلقون خبر استهداف الصهاينة أو داعميهم في أي مكان داخل أرض المعركة أو خارجه، خبر كهذا ينسيهم القصف والقتل والدمار، ويعطيهم دعما معنويا لا تفعله آلاف الأطنان من المساعدات الطبية والغذائية.
ناهيك عن فرحة المسلمين في العالم عند سماع خبر استهداف الأعداء خارج نطاق أرض المعركة، في السفارات والمطارات وأماكن البعثات الدبلوماسية والسياحية والجاليات والقواعد العسكرية، وتحقيق إصابات مباشرة في هذه الأماكن قتلا أو جرحًا أو حرقًا تضعف العدو وتهزمه.
وقد تكلم الكثير من العلماء والمشايخ وأهل الجهاد والثغور عن الكثير من الطرق لمثل هذه العمليات تحت مسمى “الذئاب المنفردة” والتي لا عد لها ولا حصر، ولن يُعدم أهل الهمة والحرقة والجهاد من ابتكار وإيجاد طرق ووسائل ينصرون بها إخوانهم المجاهدين في فلسطين وغيرها.
إياكم والخذلان، خوفًا على عاقبته في أنفسكم وأهلكم ودياركم، احذروا سوء عاقبة خذلان المجاهدين، فهم أهل العز في زمن الذل، وأصحاب القوة في زمن الضعف، هذا الضعف والذل والخنوع والهوان واضخ شاهد في العدو الصهيوني أولًا ثم في جيوش الدول والحكومات العربية والمحسوبين زورا على الإسلام ثانيًا، قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».
الخذلان يعود على الخاذل لأمته لا على المخذول، المخذول وإن كان مخذولا من الناس لكن الله ناصره ومعزه، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَزالُ طائفةٌ مِن أمَّتي مَنصورينَ لا يَضرُّهم مَن خذلَهُم حتَّى تقومَ السَّاعةُ».
يجب علينا نصرة إخواننا في فلسطين، فهم ونحن شركاء في الدين والعرق والحسب والنسب واللغة والأرض والعرض، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال : 72] يقول السعدي في تفسيره رحمه الله: هذا عقد موالاة ومحبة، عقدها اللّه بين المهاجرين الذين آمنوا وهاجروا في سبيل اللّه، وتركوا أوطانهم للّه لأجل الجهاد في سبيل اللّه، وبين الأنصار الذين آووا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض”، ولنركز أكثر على هذا الشق من الآية الكريمة، “لكنهم (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) أي: لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) والقتال معهم، فلا عذر لنا والمسلمون وأهل غزة يستنصروننا في كل يوم وساعة ولحظة وآلة القتل تُعمل فيهم الإبادة والتشريد والنزوح على يد الصهاينة المحتلين أحفاد القرد والخنازير.
نصر الله فوق الرؤوس قريب، ولكنه التمحيص والابتلاء والاختبار (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ) [آل عمران: 214] فأروا الله من أنفسكم خيرا.
حقق لله ما أمرك، يحقق لك ما وعدك وفوقه المزيد (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 7 – 8].
مع الله أنت منتصر، وكل ما سواه أنت مخذول (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رأيهم ورميهم، واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم، وأنزل عليهم سحائب رحمتك ونصرك وتمكينك وامنحهم رقاب أعدائهم، إنك ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.