الأستاذ: حسين أبو عمر
تزامنا مع ذكراها الثانية عشرة، تمر الثورة السورية بمرحلة من أصعب المراحل التي مرت بها.. بلحظة مفصلية من عمرها..
* فبعد أن خسرت معظم المساحات التي كانت تسيطر عليها؛ لأسباب لا تتعلق بقوة النظام العميل وحلفائه بقدر ما تتعلق بعوامل ذاتية:
– الركون لخدعة الاتفاقيات الدولية: (أستانة، سوتشي، وغيرهما).
– وإعطاء النظام العميل وحلفائه فرصة الاستفراد بالمناطق واحدة تلو الأخرى.
– الاقتتالات الداخلية وما جرته من استنزاف لقوة الثورة وعزوف الكثيرين عن حمل السلاح بسببها.
– وتوسيد الأمر إلى غير أهله.
– وغياب الاستراتيجية العسكرية الصحيحة.
وغيرها من الأسباب التي ليس المقصد من هذا المقال تقصيها وإحصاءها..
* وبعد مصادرة القرار العسكري، وفقدان الفصائل لاستقلاليتها، وبعد تفكيك كل قوى التمرد وعوامل القوة الذاتية، وتحول معظم التشكيلات الباقية من قوى تحرر إلى قوى ضبط وسيطرة…
بعد كل هذه الأحداث وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره، تتجه دول المنطقة لتطبيع علاقاتها مع النظام العميل بشكل متسارع، بعد أن كانت قد بدأت خطوات خجولة وأحيانا سرية في هذا الاتجاه من قبل، بالإضافة إلى أن فرص المعارضة التركية في كسب الانتخابات المقبلة في مايو 2023 ليست قليلة؛ هذه بالنسبة للذين كانوا يمنون أنفسهم بأن خطوات تطبيع التحالف الحاكم في تركيا مع النظام العميل بأنها انتخابية تكتيكية وليست حقيقية؛ بالرغم من كل القرائن التي تدل على نية تطبيع حقيقية لدى التحالف الحاكم.
كما يحاول البعض اليوم إرضاء نفسه بأن التطبيع العربي مع النظام العميل هو خطة سلام عربية تستند على القرار الدولي 2254، وقوات سلام عربية، وإخراج إيران، وغيرها من الهرطقات! -هذا مع التنبيه على علات القرار الدولي 2254 – وكأن هذه الدول في تطبيقها تسعى لتحقيق مصالح هؤلاء الحالمين وليس أن تتحرك وفق مصالحها الخاصة! بل ما كأنها كانت مساهمة في كثير من تصرفاتها في إجهاض الثورة!.
في كتابه “المغالطات المنطقية” يقول عادل مصطفى واصفًا إحدى علات العقل البشري بأن لدينا: «ميلًا إلى الأخذ بالفرضيات التي تُرضِي رغائبنا وتدغدغ أمانينا» ثم يقرر قاعدة مهمة، وهي: «لا تُسقط رغباتِك على الأشياء ولا تجعل من أمانيك معيارًا للحق، فأكبر الظن أن العالم لم يُخلق من أجلها ولم يُفصَّل على مقاسها».
* أمام هذا الظرف شديد الحساسية:
– ما زالت عقلية الهوى المتبع،
– وتغليب المصلحة الشخصية والحزبية على المصلحة العامة،
– والرضا بالمكاسب الآنية الوهمية الهشة،
– والانشغال بتوافه الأمور،
هي المسيطرة على الكثير ممن تصدر المشهد، وما زال أكبر همهم التقاتل والسيطرة على “إعزاز” أو “جنديرس”! وما زالوا يفضلون الاستمتاع بـ “نشوة اللحظة”، والعيش في الوهم المريح، على مواجهة الحقيقة..
وما زالت اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية، وإرضاء النفس بالقيام بمشاريع صغيرة (تعليمية، تربوية، دعوية…)، هي المسيطرة على الكثير من النخب التي انطوت على نفسها، وتركت الشأن العام، وقعدت تنتظر القدر..
قدمت الثورة السورية تضحيات عظيمة، سُطرت بدماء الشهداء، ودموع الأيامى واليتامى والأرامل، إلا أن تضحياتها تلك بدَّدها من تصدروا المشهد، فاستنزفوا قوتها، وحطموا أوراق القوة التي كانت تملكها، وفرَّط فيها من تنكَّب عن تحمل المسؤولية المناطة به.
واليوم، إن لم يتحمل أهل الحل والعقد المسؤولية التي كلفهم الله بها لاستدراك الأمر، فإن كل التضحيات التي بذلت ستضيع هباءً، ومصير مرعب ينتظر من بقي من الأحياء -لا قدر الله-.
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضفط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 47 اضغط هنا