التوكل على الله تعالى في الجهاد | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ

الشيخ: أبو حمزة الكردي

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) أخي المجاهد حقيقة النصر أنه من عند الله وحده لا شريك له فيه، ومن أدرك ذلك تبرأ من الأسباب الدنيوية مع أخذه بها حقيقة لا كلاما فيجعلها واقعا لا خيالا ويتوكل على الله عز وجل مسبب الأسباب وخالق الأشياء وميسرها.

 

وقد عرّف ابن قدامة التوكل على الله، بقوله: “التوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء: الشفقة، والقوة، والهداية، فإذا عرفت هذا فقس عليه التوكل على الله سبحانه، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل سواه، واعتقدت مع ذلك أنه تام العلم والقدرة والرحمة، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، اتكل قلبك عليه وحده لا محالة، ولم يلتفت إلى غيره بوجه“.

 

وهذا يتطلب من المجاهد الصادق حقيقة أن يتبرأ من كل ما يضعف توكله على الله عز وجل من دولة أو جيش أو قوة أو مال أو عدة أو عتاد أو سلاح فعَّال أو شخص، وأن يجعل حقيقة توكله في جهاده على الله عز وجل وحده لا يريد غير وجهه ولا يقصد أحدا سواه.

لذلك علَّق الله عز وجل كل أفعال الجهاد والقتال حين النزال به وحده سبحانه؛ فلا تَوَكُّلَ إلا عليه ولا رَمْيَ إلا بتوفيقه ولا تسديد إلا به، قال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) جاء في تفسير السعدي: “(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ‏)‏ بحولكم وقوتكم ‏(‏وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ)‏ حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره‏.‏ (‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى‏)‏ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء والمناجاة، أخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها اللّه إلى وجوههم، فهزموا“.

 

لذلك على العبد أن يعلم أنّ أي فعل محمود يقوم به هو من توفيق الله عز وجل له، وعلى قدر التوكل عليه سبحانه يكون التوفيق أكمل وأقوى، وأعظم توكل على الله تعالى يمكن للعبد أن يحقق به كمال هذه العبودية هو في الجهاد؛ لأن جلَّ الجهاد جهاد قلَّ من يقدم نفسه له أو يبذل له ماله، فحال المسلمين عند الجهاد قلةٌ في العدد والعدة والعتاد وشدة في الفقر في مقابل كثرة عدد العدو في المعارك بأضعاف مضاعفة يصعب على العقل ضمن الأمور المادية الحسية أن يؤمِّل نصرا، ثم يأتي الفرج فتكون حطين وعين جالوت وأمثالهما ليؤكد فضل التوكل على الله عز وجل، وأن الله هو وحده الناصر المعز للمسلمين المذل للكافرين، وهو سنة متكررة طالما حصل التوكل الحقيقي وقد رأينا هذه الأيام في الساحات الجهادية مجموعات وأفراداً بعتاد خفيف وأسلحة قديمة يواجهون تحالفات ودولًا وجيوشا ذات أعداد وعدة عسكرية وإلكترونية وطيران وبارجات وأساطيل ومدمرات وو.. ولكن المجاهد الصادق يعيش حقيقة قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

 

ومن حقيقة التوكل على الله عز وجل في الجهاد قطع مداخل الشيطان ومخارجه لئلا يقع المرء في حبائله فتكون الهزيمة نصيبه، يقول تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).

 

والتوكل على الله في الجهاد يخفف المصيبة ويزيد الفرح لأنه توكل على مدبر الأمور المعز المذل القابض الباسط، ولن ينفعك العباد أو يضروك إلا بتقدير الله عز وجل وحده قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

 

وقد جعل تبارك وتعالى لمن يتقيه مخرجا ورزقا، أما من يتوكل عليه فله كل شيء ويكفيه من كل شيء قال تعالى : (ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) جاء في تفسير السعدي رحمه الله: “(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك (فَهُوَ حَسْبُهُ) أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به“.

 

والنصر معلق بالتوكل، قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

 

والتوكل على الله جل وعلا سبب للصبر في الجهاد والثبات يقول تعالى: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

 

فحقيقة الجهاد ما هي إلا توكل على الله عز وجل واعتصام به، ومن توكل على الله عز وجل حق التوكل علم أن أسمى نصر الله عز وجل لعباده في جهادهم وحياتهم هو الهداية الحقيقية لعبادة الله عز وجل حق العبادة، فموسى عليه السلام عندما أدركه فرعون وقال قومه إنا لمدركون: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ولم يقل سينصرني، فجعل الهداية والتوكل على الله عز وجل هو حقيقة النصر وفيهما الفرج والتمكين والنجاح والفلاح والنصر والعاقبة للمتقين، قال السعدي رحمه الله في تفسيره: “أي سَيَهْدِينِ لما فيه نجاتي ونجاتكم”، فعلق النصر والنجاة بمعية الله والتوكل عليه سبحانه.

 

رزقني الله وإياكم حقيقة التوكل عليه والالتجاء إليه في صلاتنا وصيامنا وقيامنا وجهادنا وفي أعمالنا كلها، على النحو الذي يرضى به عنا، وجعلها لوجهه خالصة، ورزقنا شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.

 التوكل على الله تعالى في الجهاد | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ

التوكل على الله تعالى في الجهاد | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ
 التوكل على الله تعالى في الجهاد | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ

التوكل على الله تعالى في الجهاد | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ
Exit mobile version