استنساخ مناهج تعليم النظام البعثي / دراسة تطبيقية على منهاج الفلسفة بإدلب

مجلة بلاغ العدد ٣١ - جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ⁩⁩

الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛

فإن إقامة الإسلام، وتعظيم شعائره، وإزهاق الباطل، وطمس معالم الشرك؛ من أبرز وأهم وأخطر المسائل التي قامت الثورة السورية والجهاد الشامي من أجلها، بعد عقود من فرض البعثيين والنصيريين لشعائر الكفر في شؤون الحياة السياسية والفكرية والثقافية والتعليمية..

وقد كان المتوقع أن يكون تغيير مناهج التعليم التي وضعها النظام النصيري البعثي، ووضع مناهج جديدة منبثقة من تعاليم الإسلام ورؤيته للمجتمع والحياة، من أولى الأولويات في المناطق المحررة ساعة تحريرها؛ ليكون التحرر من سيطرة النظام النصيري العسكرية وكذلك من سيطرته الفكرية.

ولكن المصيبة الكبرى والداهية العظمى أن مناهج التعليم قبل الجامعي السائدة في المناطق المحررة إلى اليوم بعد عشر سنين من الثورة هي مناهج مستنسخة من المناهج التي وضعها النظام البعثي قبل الثورة، مع تعديلات يسيرة تتعلق غالبا بحذف بعض الجمل والعبارات الممجدة للمجرم بشار ووالده السفاح حافظ، دون تعرض عادة للمحتوى التعليمي الذي يهدف في الغالب لتخريج جيل فاسد الفكر والثقافة؛ قِيمه في الحياة مادية، وغاياته شهوانية، وانتماءاته وطنية، واهتماماته تافهة..

وللتدليل على الحقيقة المؤلمة وهي استنساخ عامة مناهج المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في عهد الثورة لمناهج عهد البعث التي كانت تعمل على زعزعة عقائد الطلاب ونشر الإلحاد في المجتمع، فهذه نظرة في منهج واحد من تلك المناهج، وهو منهج الفلسفة للصف الثالث الثانوي أدبي، والذي يُدرَّس في منطقة إدلب ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وتشترك ما تُدعى حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام وما تُدعى الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني في تدريسه للطلاب.

فهو منهج مستنسخ من منهج النظام البعثي النصيري الذي قامت الثورة عليه والذي كان يهدف لنشر الإلحاد في المجتمع، وقد ورد قبل الثورة بعدة شهور بتاريخ 25 – 4 – 2010 سؤال إلى موقع الإسلام سؤال وجواب الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد فك الله أسره، جاء فيه:

“أنا طالب بكالوريا أدبي من سوريا أدرس مادة الفلسفة، ولكن أجدها أحيانا مخالفة للشريعة الإسلامية لدرجة أني أصبحت أشك بإسلامي، وما رأيك بالمعتزلة الذين هم ضمن مناهجنا، ماذا أفعل؟ أرجو أن ترد علي بأسرع وقت ممكن”.

وجاء في جواب الموقع: “إن غالب الفلسفة التي تدرس مخالفة لدين الإسلام بل لسائر ما نزل من السماء من كتب وما بعثه الله من رسل، فعامتها مبنية على الشرك بالله جل جلاله..”.

 

* أولا – نظرة في منهج الفلسفة للصف الثالث الثانوي أدبي بإدلب:

منهج الفلسفة للصف الثالث الثانوي أدبي بإدلب هو مستنسخ من منهج النظام النصيري البعثي الذي كان مقررا في المدارس عندما قامت الثورة مع تغيير لشكل غلاف الكتاب، وحذف لأسماء مؤلفيه، وتعديل بعض الصور وما شابه ذلك، دون مساس بالمادة العلمية الأساسية التي وضعت في زمن الحكم النصيري البعثي.

ويتألف المنهج من ثماني وحدات تتحدث عن: الإنسان، والمعرفة، وقضايا منطقية، والفلسفة العربية، والقيم، والعلم، والحرية، والحضارة، وهذه الوحدات التي تتعرض لقضايا خطيرة “تعمل على تدريب الطلبة على التفكير في الظواهر والقضايا والمشكلات الاجتماعية والإنسانية والبحث في إيجاد تفسيراتها في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس” [ص6 من الكتاب الأول].

– ومن وسائل نشر هذا المنهج للضلال:

1 – يرى الكتاب أن الفلسفة هي مصدر العلم بالوجود، وأن العلم بالوجود يكون في نظريات تحتمل الصدق والكذب لا في عقائد يقينية:

يقوم الكتاب على فكرة: أن الثقافة الأكثر وعيا بالوجود الإنساني، وأن ولادة العلم النظري الذي كانت الفلسفة أول منتجاته، كانت في اليونان زمن فلاسفتها المشهورين..، [ص95 من الكتاب الثاني]، إلى أن تطورت العلوم الإنسانية بشكل ملحوظ في القرن العشرين [ص99 من الكتاب الثاني]؛ لذا فالكتاب قائم على تقديم وتقدير واستعراض فكر فلاسفة اليونان قديما وفلاسفة أوربا حديثا؛ مثل: سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وديكارت، وجون لوك، ودايفد هيوم، ووليم جيمس، وجان جاك روسو، وماركس، وكانط، وإدموند هوسرل..إلخ مع ذكر في بعض أحيان لفكر بعض فلاسفة عاشوا في العصر الإسلامي ولهم انحرافات خطيرة كالفارابي وابن سينا وابن رشد..

وهو يستعرض فكر وكفر الفلاسفة كنظريات تحتمل الصدق والكذب، وليس لبيان الحق والباطل، مع إغفال لعقيدة الإسلام وأركان إيمانه وقواطعه المتعلقة بالمباحث المذكورة، وقد تأتي أحيانا كلمة من الإسلام ولكن كنظرية وليست كعقيدة تفيد اليقين.

وبلغ الجهل والتضليل أن الكتاب في المرات النادرة التي ورد فيها شيء من الإسلام فإنه يورده كأنه نقل لكلام أي فيلسوف وثني أو ملحد أو ما شابه ذلك، بل ينقل كلاما بالمعنى لا اللفظ على أنه من القرآن الكريم، فيقول الكتاب: “جاء في القرآن الكريم (وخلقنا الإنسان من طين كالفخار)” [ص207 من الكتاب الثاني]، فلم تكن العبارة: قال جل وعلا، أو ما شابهها من العبارات كما هو العادة في كتابات المسلمين، بل كانت العبارة “جاء في القرآن الكريم”!، والعبارة ليست في القرآن الكريم أصلا، بل الذي في القرآن الكريم هو قوله جل وعلا: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، وقوله جل وعلا: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ).

– ومن الأمثلة على عرض الكتاب الأقوال الكفرية كأنها نظريات تحتمل الصدق والكذب أنه وضع درسا كاملا بعنوان قدم العالم وحدوثه؛ بدأ بقوله: “اختلف الفلاسفة في طبيعة العالم أو الكون هل هو قديم أم محدث، فوضعوا نظريات مختلفة حول قدم العالم وحدوثه” [ص207 من الكتاب الثاني]، فالأمر عنده عبارة عن نظريات وليست قضية إيمان بأن الله خالق كل شيء وكفر من أنكر ذلك..

وبعد أن يعرض المنهج أقوالا متعددة لفلاسفة يونانيين وآخرين عاشوا في العصور الإسلامية لبعضهم أقوال كفرية تقول بقدم العالم يختتم الدرس بالحياد أمام هذه الأقوال وإن كانت كفرية فيقول: “برغم اختلاف النظريات الإسلامية في أصل العالم فإنها اعتمدت جميعها على الأدلة العقلية والتفكير المنطقي في إثبات وجهات نظرها المتباينة؛ فلم يكتف القائلون بالقدم بالنظريات الفلسفية السابقة عليهم بل طوروها وأضافوا عليها، ولم يكتف القائلون بالحدوث بالأدلة النقلية من القرآن الكريم والعقيدة الإسلامية بل برهنوا عليها بالمبادئ العقلية والحجج المنطقية” [ص212 من الكتاب الثاني].

 

2 – منهج الكتاب منهج ترويجي للنحل الكفرية:

لم يقم الكتاب على منهج نقدي يبين الحق من الباطل في الفلسفات التي ذكرها، بل ولم يكتف من الضلالة أن يكون على منهج وصفي يبين واقع القول الفلسفي الذي يعرضه كما هو، بل إن منهج الكتاب ترويجي للفلسفات الكفرية؛ حيث يعرض منها جزءا ويكتم أجزاء أظهر في البطلان، وهذا الجزء الذي يعرضه يجعله في عبارات لا تظهر كفرياتها للقارئ الغافل عن حقيقة معناها.

– فمن أمثلة الترويج للفلسفات الكفرية: يتكرر الحديث عن كارل ماركس بصفة التقديم والتعظيم كفيلسوف معاصر له نظرته للحياة، دون ذكر إلحاده وفلسفته الكفرية وما نتج عنها في البشرية من شرور، فيرد في الكتاب مثلا: “يبين ماركس معنى الحرية على أساس علاقتها بالضرورة، ويعني بالضرورة القوانين غير المدركة التي تتحكم بالطبيعة والمجتمع، ففي بداية تاريخ الإنسان كان غير قادر على فهم أسرار الطبيعة؛ لذلك ظل أسير الضرورة المجهولة وكان لا يشعر بحريته لاعتقاده بأنه خاضع لقوى عمياء” [ص96 من الكتاب الأول]، فقوانين الحياة عند ماركس هي تطور مادي إلحادي لا تعلق له بخالق نظَّم الكون وأحكمه، ومقصود قوله عن القوى العمياء التي كان الإنسان القديم يعتقد بخضوعه لها هو الاعتقاد بالألوهية سواء كان الاعتقاد الحق بألوهية الله جل جلاله، أو الاعتقادات الكفرية، فما الدين عند ماركس إلا معتقدات ينتجها مجتمع، فانظر كيف تكون الكتابة عن قول كفري ماركسي بطريقة ترويجية لا تشرح حقيقة مضمون هذا القول.

بل لقد صرح الكتاب بمثل عقيدة ماركس وأن المعتقدات الدينية هي نتاج فكري من مظاهر حضارات الشرق الأدنى القديم (كالشام والعراق) فجاء فيه: “ما أنتجه الفكر من نشاطاته العلمية والفلسفية والأدبية مثل المعتقدات الدينية – الآداب – العلوم – الموسيقا” [ص128 من الكتاب الأول].

 

– ومن أمثلة الترويج للفلسفات الكفرية كذلك: ترويج المنهج لفكر دارون المناقض للإسلام؛ فدارون يرى أن الإنسان تطور عن كائنات قديمة، والإسلام يؤكد أن آدم عليه السلام أول البشر خلقه الله جل وعلا من طين، فيمتدح المنهج دارون بقوله: “حدثت اكتشافات علمية جديدة غيرت التصورات السابقة عن الكون وحققت نقلة جديدة في المعرفة العلمية.. فقد مهد دارون في كتابه أصل الأنواع لفهم جديد للكائنات الحية يقوم على نظريته في الارتقاء والانتخاب الطبيعي” [ص51 من الكتاب الأول].

3 – هناك توجه إلحادي في كتاب الفلسفة:

– فمثلا يرى أن أول تفسير للحياة كان تفسيرا أسطوريا إنسانيا، دون اعتبار للتوحيد الذي بدأت به البشرية وجاءت به الأنبياء؛ فيقول الكتاب: “التصورات الأسطورية عند الشعوب الشرقية تعد المحاولة الأولى للفكر الإنساني في تفسير الطبيعة… ولقد حمل الوعي الأسطوري إرهاصات فلسفية أولية تمثلت في التفكير والتساؤل عن الوجود والنفس والحياة والموت والخير والشر” [ص113 من الكتاب الثاني].

– ويرى الكتاب أن ربط الإنسان لظواهر الكون بقوى غيبية كان مرحلة بدائية من مراحل البشرية فيقول: “تطور الفكر الإنساني.. المرحلة الغيبية: أدى شعور الإنسان بالعجز عن فهم الظواهر المحيطة به فهما صحيحا إلى اتخاذ أشكال أولية من الفهم اختلفت باختلاف البيئات والعصور؛ إذ لجأ في تعليله للأحداث إلى قوى غيبية خارقة لتساعده على التخلص من المشكلات التي واجهته ولكن بشكل وهمي نتيجة عجز هذه القوى عن حل المشكلات بطريقة واقعية” [ص48 من الكتاب الأول]، وكذلك يرى الكتاب أن المسلمات والتفكير الغيبي ينافي الشخصية العلمية: “يكون العالم متحليا بملكة انتقادية تجنبه الوقوع في الأغلاط السائرة والمسلمات السائدة وأنماط التفكير الخرافي أو الغيبي” [ص76 من الكتاب الأول].

* ثانيا – من مخاطر هذا المنهج الكفري:

إن هذا المنهج الذي يروج للكفر والإلحاد سبب من أسباب المصائب والبلايا التي أصابت الثورة السورية؛ فإن قوما نصرهم الله جل وعلا في مواطن كثيرة، وأراهم آياته، وأنزل عليهم مدده، وآواهم، ورزقهم من الطيبات لعلهم يشكرون، ثم يبقى هذا المنهج بينهم ينشأ عليه ناشئ الفتيان منهم، خاصة مع اعتماد نسبة كبيرة من الطلاب على المذاكرة من الكتاب دون حضور في المدارس، =يخشى عليهم مزيد ابتلاء وصنوف شدائد، فما هكذا تقابل نعم الله جل وعلا.

وما أجرأهم على الله جل وعلا أولئك الذين قرروا هذا المنهاج وطبعوه ودرَّسوه واختبروا فيه الطلاب؛ بل وافتخروا بذلك زاعمين أنهم حكومة ووزارة وتربية، وما هم في الحقيقة إلا مروجو مناهج البعث الكافرة؛ فإن لم يكن عندهم من المبادئ ما يردعهم عن إقرار هذه المناهج، فأين الوفاء لتضحيات الشهداء والمصابين والأسرى والمشردين الذين قدموا كل شيء في سبيل الله لا في سبيل إعادة فكر ومناهج النظام البعثي الكافر.

ألا إن الخطب الجلل والأمر عظيم، فبعدا وسحقا لمن رضي بانتشار هذا الكفر بين طلاب المسلمين.

إن حذف المسؤولين عن التعليم للمواضيع المتعلقة بالطاغيتين بشار وحافظ دليل على إمكانية حذف الكفر والإلحاد لو كانت هناك رغبة في ذلك، بل ولم ينشر هؤلاء المسؤولون ولو مذكرة إيضاحية تعمم على الطلاب تبين لهم الإيمان من الكفر وتفند أباطيل المنهج، واكتفى بعضهم بتنبيه عام لمدرسي مادة الفلسفة على ضرورة زرع الفكر الإسلامي عند تدريس المادة دون حتى إقامة دورات تخصصية لهم تفيدهم في ذلك بل ولا تحديد لمواطن الإشكال وطرق تفنيدها.

 

إن إبقاء تلك المناهج الكفرية هو من المسارعة في أعداء الله تعالى طلبا لرضاهم، ومن سارع في أعداء الله تباعد عن الله جل وعلا، وباء بالخسران في الدنيا والآخرة، فواحسرة على العباد.

 

* ثالثا – نصائح:

1 – كل من يمكنهم حذف هذا المنهج الكفري عليهم أن يتوبوا إلى الله جل وعلا ويحذفوه.

فإن أبوا فليوضع منهج جديد قائم على بيان الحق ونقد الفلسفة الكفرية وبيان ضلالها.

فإن أبوا [ولا تبرأ الذمة بذلك] فلتُنشر وتعمم بين المدرسين والطلاب مذكرات توضيحية تبين أباطيل منهج الفلسفة.

فإن أبوا [ولا تبرأ الذمة بذلك] فلتكن مادة الفلسفة اختيارية وليست إجبارية على كل طلاب البكالوريا الأدبي، ويكتب بعض المختصين بطريقة منضبطة لا فساد فيها مواد أخرى كمادة علم النفس وعلم الاجتماع والحضارة؛ فيختار الطالب مادة واحدة من تلك المواد.

2 – يحرم على المدرس تدريس هذا المنهج الكفري، إلا إن كان يستطيع بيان الحق ونقد أباطيله وإنقاذ الشباب من براثين إلحاده.

3 – على الطالب أن يحرص على تعلم الإسلام وشرعته؛ فهذه المناهج تخدم أهداف العدو النصيري ونظامه البعثي، فلا بد أن يكون عند الطالب ركائز إسلامية قوية، وعلم يعصمه من ضلالاتها، ومشايخ ثقات يرجع لهم ويستفسر منهم.

4 – على المجتمع أن يثور ضد هذه المناهج الضالة وأن يقاومها بضراوة بكل وسيلة شرعية نافعة حتى يبطلها ويبطل المكر السيئ المتعلق بها.

فدينك دينك أخا الإسلام، اعضض عليه بالنواجذ، وإياك ومبتاعي الضلالة بالهدى، فنحن في زمن غربة هلك فيه أقوام، والمعصوم من عصمه الله جل وعلا، والله المستعان.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣١ جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ

لتحميل نسخة من المجلة اضغط هنا  

لقراءة المجلة تابع

مجلة بلاغ - عدد 31 - جمادى الأولى 1443

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version