إيران واستراتيجية تمدد نقطة الحبر | كتابات فكرية | مجلة بلاغ – العدد الثامن عشر – ربيع الثاني 1442 هـ

د. محمود السايح

في النهر المتدفق على امتداد جغرافية الأمة، ومنذ وصول الخميني من باريس بدأت مهمة إيران في تفتيت ديار الإسلام من الداخل، عبر تصدير ثورتها المزعومة.

 

تقوم مبادئ تصدير ثورة الخميني على إنشاء حلقة قطبية محلية أولى، وإمدادها بما يلزم لتجميع الأنصار، ومن ثم فرز قوة من الحرس الثوري لمهام التدريب والإشراف والمتابعة، لتحويل الجماعة المحلية إلى فصيل تابع كليا للثورة الخمينية، ويضع كامل ثقله في معركة صعود القطب الإيراني وامتداد أذرعه.

 

أشرف قاسم سليماني على بناء هذه الاستراتيجية ميدانياً بدءًا من ظهور حزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله من حوثية اليمن، وحركة الحشد الشيعي العراقية، ولواء فاطميون الأفغاني وزينبيون الباكستاني وغيرها.

 

منذ 2012 تحول نشاط القوة الإيرانية في سوريا إلى العلن، ومع سقوط القصير ومن ثم في جبال الساحل ظهرت عناصر حزب الله، بينما بدأ سليماني من البوكمال هندسة البناء الإيراني، وتطبيق استراتيجيته عبر تكتيكات تصدير الثورة، ليتوغل لاحقاً في البادية، ووضع سليماني عينه على حلب حيث نبل الزهراء، وإدلب حيث الفوعة كفريا، وهي أكبر البلدات التي تحوي معتنقي المذهب الشيعي الإثني عشري في سوريا.

 

جاءت اتفاقية أستانة سوتشي التي شكلت إيران ثلثها الضامن لتتوج جهود فريق قاسم سليماني في إنجاز مهمته التاريخية، حيث انتزع إعجاب الشيعة المحليين، وظهر كحامي الحمى، وسرعان ما تم تحويل الإعجاب إلى انخراط المقاتلين الشيعة تحت قيادته، ليظهر التشكيل المحلي الإيراني الولاء في حلقته الأولى.

 

وفق معلومات موثقة كان سليماني يسابق الزمن بكل جدية وصمت لإنتاج نسخة حزب الله في سوريا، بتعداد يقارب العشرين ألف مقاتل، عبر إنشاء قواعد عسكرية للتدريب والتطوير المادي والعقائدي، ولإنجاز ذلك استغل الفريق الإيراني ظروف تجميد القتال الذي فرضته اتفاقيات الأستانة على الصعيد الأمثل في التعبئة والتدريب والانتشار والتمدد.

 

شهدت حلب وريفها الجنوبي معارك متعددة، رسخت في النهاية تمدد المحور الإيراني فيه بينما كانت نبل والزهراء نقطة بناء التواجد الإيراني في المحور الشمالي لحلب، وبالمجمل استطاع مهندس المشروع الإيراني في سوريا قاسم سليماني النفوذ في الجيوسياسيا السورية بكلفة مادية وبشرية متدنية للغاية، وكان للتقارب الإيراني مع قطر وحلفائها الإقليميين المتحكمين بالمشهد المحلي دوراً حاسماً في تسهيل عبور السياسة الإيرانية، وتثقيل قدمها في ساحة الشام، وتجلى ذلك في مشاهد عديدة بدءًا من إسقاط القصير مروراً بجبال الساحل والفوعة كفريا ونبل الزهراء.

 

وأخيرا توج ذلك التوجه انسحاب الفصائل المحسوبة على التيار الجهادي في ريف حلب الجنوبي من تلال خلصة والعيس وخان طومان وتسليمها للمحور الإيراني دون الروسي.

 

فيما نراه فإن مواجهة الاستراتيجية الإيرانية في ساحة الشام على المدى القريب والبعيد لن تكون أولوية عند الفصائل والقوى الرسمية المحلية، التي تسيطر على المشهد كهيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية وبقية القوى الفاعلة.

ولأن تحرير سوريا وإعادة بنائها وإعادة مهجريها يرتبط بشكل وثيق بقطع ذراع إيران فيها، فلا أرى موضوعياً أي أمل في تغيير الأوضاع ما لم يتغير المشهد السيادي في ساحة الشام باتجاه بناء استراتيجية واضحة لمواجهة المد الإيراني، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

 إيران واستراتيجية تمدد نقطة الحبر  | كتابات فكرية |  مجلة بلاغ - العدد الثامن عشر - ربيع الثاني 1442 هـ   د. محمود السايح

إيران واستراتيجية تمدد نقطة الحبر | كتابات فكرية | مجلة بلاغ – العدد الثامن عشر – ربيع الثاني 1442 هـ
د. محمود السايح
Exit mobile version