إدلب ومؤامرة نزع الهوية من معادلة الصراع
كلمة التحرير
من أبرز ملامح الجهاد في الإسلام التركيز على توضيح هدفه وطريقه وضوابطه بكلمة واضحة جامعة فاصلة وهو كونه [في سبيل الله]، والتي كثيرا ما اقترنت في القرآن والسنة بالجهاد والقتال، حتى أصبحت كلمة [في سبيل الله] تعني عند الإطلاق الجهاد بخصوصه؛ فقد تفرد الجهاد عن سائر العبادات بمزيد تخصيص وتأكيد وتكرار ينبه على أنه لا بد أن يكون الجهاد والقتال في سبيل الله، كقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ)، وقوله سبحانه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا)، وقوله جل وعلا: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)، وقوله: (وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ)..، وغير ذلك كثير.
إن هذا التأكيد الواضح هو تحديد لهوية صراع المسلم ضد الأعداء تحديدا يشمل كل ما يتعلق بالمعركة كأهدافها ومراحلها وأدواتها..، فالعقيدة التي ينطلق منها المجاهد هي في سبيل الله، والقيم والأخلاقيات والسلوك الذي يتحلى به المجاهد هو في سبيل الله.
وإذا كانت الهوية كما في بعض التعريفات هي: “حقيقة ذاتية تشكّل محور استقطاب للأمة أو للفرد وتميزهما عن غيرهما” و”تجيب عن الأسئلة: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟” فإن الجهاد الصحيح هويته التي تستقطب الأمة، وينطلق منها الفرد، وفيها المفاصلة بينه وبين أعدائه، وتجيب عن كافة الأسئلة، هي أن يكون في سبيل الله.
* وإن مما يلاحظ ازدياده في الآونة الأخيرة محاولات لتجريد القتال في الساحة الشامية عن أن يكون في سبيل الله ليتحول إلى صراع إقليمي أو وطني أو فصائلي أو ولاءات أو نفوذ أو مصالح أو مكاسب..، بعيد عن الصبغة الشرعية التي يتصف بها الجهاد في سبيل الله تعالى، وتتخذ تلك المحاولات أساليب عديدة؛ منها:
– تطبيع الهدنة مع العدو المجرم الكافر، وجعلها هدفا مقصودا لذاته يتجاوز مسألة الأسيرات والأسرى، والاحتلال الغاشم، والمجازر المتكررة، والحقوق المسلوبة..، ويسعى لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية معه.
– التوجه الظاهر للتبعية للمعسكرات الدولية والإقليمية والسعي للاصطفاف خلفها، ليكون الصراع وظيفيا يخدم أهداف تلك القوى رغم تعارضها في كثير من الأحيان مع أهداف الجهاد في سبيل الله تعالى.
– اعتماد الفساد وتنظيمه؛ ليتحول من كونه حالة مَرَضية تحتاج إلى علاج أو استئصال إلى حالة تطبيع فإقرار فتبني [مناهج التعليم البعثية – منظمات إفساد المرأة – التبرج والاختلاط – الإعلام المنحرف – التعذيب في السجون – إلغاء الحسبة..].
– نشر المظاهر الوطنية والقومية بين المجتمع وإبراز المعاني الثورية المجردة فيه، مع استبعاد كثير من المظاهر والمعاني ذات الدلالة الواضحة على الجهاد في سبيل الله تعالى، في تحول واضح للخطاب والمصطلحات والمعاني.
– تحويل العلاقة بين القوى المسلحة الأكبر بالمنطقة والأهالي من كونها علاقة يفترض أنها علاقة حماية ونصرة توفر حاضنة شعبية لمجاهدين في سبيل الله تعالى، إلى علاقة خصومة وعداء مع الأهالي بسبب عمل تلك القوى على امتصاص خيرات المنطقة والتسلط على الناس، مع الفشل العسكري الذريع عند كل معركة ميدانية مع المحتل الغاصب.
– القيام بعملية إحلال وإبدال تستبعد الأفراد ذوي القوة والأمانة والثبات على المبدأ والتأثير الجاد في المجتمع، وتضيق عليهم وتحاربهم، مع السعي لتصدير رموز فارغة، واستجلاب أتباع منتفعين منقادين لقوى الأمر الواقع يسهل تمرير المؤامرات من خلالهم، وعقد تحالفات تهدف لحماية رؤوس الفساد ومنع محاسبة أكابر المجرمين.
– السعي لنزع الروح من الشعائر الإسلامية القائمة في المجتمع؛ من خلال تحويلها إلى وظيفة لا رسالة، مع توجه لإقحام توجهات عقدية وسلوكية كالأشعرية والصوفية مثلا لا لقناعة بها بل بصورة تهدف لإضعاف تأثير شعائر الإسلام في المجتمع، وتقديم الخطاب السياسي على التأصيل الشرعي، وتهميش دور أهل العلم لحصرهم في مهام فرعية.
– الترويج للاهتمامات التافهة والمظاهر الفارغة، وقصد جعلها بديلا عن معالي الأمور، ومحاولة صبغ المجتمع بصبغة مادية بعيدة عن قيم الإسلام وأخلاقه.
* يقول الشيخ الطريفي: “خطوة الصالح إلى الفساد فساد، وخطوة الفاسد إلى الصلاح صلاح، فيشدد على الأول لأنه مدبر ويلان مع الثاني لأنه مقبل..، من كان بعيدا عن الحق نفرح لاقترابه خطوة ونلين معه ليأتي بمثلها، ومن كان قريبا من الحق نغضب لابتعاده عنه خطوة ونقسو عليه حتى لا يبتعد مثلها”.
– إنها مؤامرة تجريد للثورة السورية من أهم مقوماتها وهو الجهاد في سبيل الله تعالى لتتحول إلى صراع دنيوي يذبل ثم يموت كحال كل ما هو دنيوي، ولكن سيخيب بإذن الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، والحمد لله رب العالمين.
للمزيد من مقالات مجلة بلاغ اضغط هنا
لتحميل نسختك من مجلة بلاغ اضغط هنا