أهذا لتكون كلمة الله هي العليا؟! -كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٣٠

مجلة بلاغ العدد ٣٠ - ربيع الثاني ١٤٤٣ هـ⁩

الأستاذ: خالد شاكر

– ألم يفكر الذي يفجر المساجد والمشافي في أفغانستان بعد أن طهر الله البلاد من رجس الأمريكان، عن: حكم فعله، وعن فتوى علماء الأمة الثقات فيما قام به، وعن مآلات عمله؟

– ألم يفكر الذي يقاتل فصائل جبل التركمان في سوريا والروس يتجهزون لشن حملة عسكرية على المنطقة، عن: حكم فعله، وعن فتوى علماء الأمة الثقات فيما قام به، وعن مآلات عمله؟

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

* لو كان الذي يطيع أميره في قتال المسلمين والفصائل مريدا للحق لبذل الوسع في معرفة الحق ولدرس كل حالة وتأمل في كل واقعة فلكل حادثة حديث وتفصيل ولما تابع أميره في كل تقلباته وأهوائه، أما الذي يتابع أميره سنين عديدة في كل الحالات، معرضا عن كلام أهل العلم وموقف وجهاء المجتمع، غير مبال بالبينات الشرعية، ولا مكترث بضرر الساحة، ولا معتبر لما ينتج عن ذلك من إضعاف الثغور، ولا مقدر لما يسببه هذا القتال من تفرق للأمة وشماتة الأعداء وتضييع المقدرات وإهدار الجهود وحرف البوصلة فهو قطعا مرتزق لا يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» متفق عليه.

إنه قتال:

– باسم الثقة..

– ولأجل الفصيل..

– وطمعا في المنحة..

– وخجلا من الاعتراض..

قد لا يعرف المقاتل بهذه الطريقة مَن هو الخصم ولم يسمع عنه إلا الآن، ولكن تشرب في قلبه (حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)، فجاءه أمر الهجوم فهجم، وقيل له: قاتل، فقتل، ثم عاد إلى مربضه بعد أن سقط من رفاقه من سقط قتيلا وجريحا أثناء اعتدائهم على المسلمين..

عبر قنوات مجهولة وأسماء وهمية يتلقى أحكام الطوائف والأفراد؛ فهذا مرتد، وذاك عميل، والثالث داعشي، والرابع محتطب، والخامس فتان، والسادس مجرم، والسابع حشاش، والثامن حاقد، والتاسع خائن، والعاشر مفسد..، وهلم جرا من اتهامات يكيلها المجاهيل والجهال جزافا لكل من يريدون السطو عليه أو الاعتداء على حرماته، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ).

 

اتهامات من مجاهيل وجهال تطول كل من نصح أو أنكر أو خالف..، وما على العبيد إلا أن يقولوا: سمعا وطاعة، ولكنه قطعا سمع وطاعة في سبيل الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم» متفق عليه.

* إن صناعة المقاتل في سبيل الفصيل لا الله لها أعمدة أربعة:

1- الجهل: حيث يُحارَب الدعاةُ الصادقون أو يهمشون ويُطعن في عامة المشايخ وتُهز الثقة في عموم الفتاوى؛ كي يخلو الجو للمفسدين. فلا يحتاج المرتزق شرحا وأدلة وفتاوى قبل أن يتوجه لمهمة قد تشتبه عليه، ليصل لحالة انقياد تام لا للشرع ولكن لأهواء سلطانه المزعوم، قال صلى الله عليه وسلم: «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقُتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه» رواه مسلم..

 

2- الإفقار: حتى تكون حاجة الجندي للمال أكبر من حاجة قائده للجنود؛ فيفكر الجندي مرارا -إن خالف الأمر- في إيجار المسكن وثمن الدواء وفرص العمل شبه المعدومة، مما يجعله يظن أن بقاءه تحت تسلط ذاك القائد حتم دونه الهلاك، (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ).

3- الاستبداد: وذلك بالقمع والتسلط على عباد الله فيصبح الجندي المسكين بين نارين إما نار عدوان الظالم أو ظلمات إعانته؛ فيختار ضعاف الإيمان ظلمات الإعانة على الإثم والعدوان فرارا من أعباء الصبر على مشاق الطريق، (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ).

4- التزيين: وذلك ليجد المرء مخرجا يوهم نفسه به ويوهم من حوله في المجتمع أنه ليس بهذا السوء ولم يهبط بعد إلى هذا الدرك المنحط من الشر؛ فيصور ارتزاقه في صورة طاعة ولي الأمر أو جمع الكلمة أو محاربة الفساد، (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ).

* إن طريق القرآن الكريم في التعامل مع المسلمين عند الخلاف له ضوابط عديدة منها:

– رد النزاع لشرع الله جل وعلا: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

– الإصلاح بين المتقاتلين: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا).

– التبين من الاتهامات: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

– سؤال أهل العلم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

– القسط والعدل ولو مع المخالف الذي سبق منه الاعتداء: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

– النهي عن تكذيب الناس ابتغاء عرض الدنيا: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

فكيف لا يكون من خالف ذلك مقاتلا في سبيل الشيطان، وقد أعرض عن كل ذلك فنام نومة أفاق بعدها يركض لقتال هذا وذاك ومن لا يعرفهم أصلا ولا سمع بهم من قبل؛ بِلا رد للنزاع لشرع الله، ولا محاولة للإصلاح، ولا تبين وتثبت، ولا سؤال لأهل العلم الصادقين، ولا عدل مع الخصم، مع رفض لسماع دفاع المتهم؟!

لكنه عبد الهوى

ضل السبيل ولم يزل

يحيا بلا هدف بلا

معنى بلا أدنى خجل

* وختاما فاسمع يا طالب النجاة قوله تعالى: (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ).

* واسمع قوله تعالى: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ).

والحمد لله رب العالمين.

لتحميل نسختك من العدد 30 من مجلة بلاغ اضغط هنا 

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا 

Exit mobile version