كلمة التحرير
قضى الله تبارك وتعالى بحكمته أن يجعل الحق على مراتب في الظهور والخفاء، فبعض الحق يكون ظاهرًا جليًّا لا يخفى على أحد ولا يحتاج إلى طول عناءٍ ومزيد بحثٍ من أجل الوصول إليه، وبعضه يكون خفيًّا يحتاج إلى بذل جهدٍ وشدة اجتهادٍ حتى يُدرك ويوصل إليه.
وإذا كان الحق خفيًّا تنوعت وجهات النظر واختلفت المسالك في الوصول إليه وقد يدركه المجتهد فيصيب أجرين، وقد يخطئه فينال أجرًا واحدًا فقط وبكلا الحالين يكون المجتهد الذي استفرغ وسعه في الوصول إلى الحق محمودًا مثابًا.
ولا لوم على المجتهدين أن ينكر بعضهم على بعض في مسائل الاجتهاد بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا ضير في تخطئة بعضهم بعضًا طالما أن ذلك يقوم على قواعد أهل العلم والتجرد من الهوى وحظوظ النفس بل هذا أمرٌ ممدوحٌ وهذا مقتضى الأُخوّة الإيمانية ويوجبه حق التناصح الذي أوجبه الله.
إنما الحرج كل الحرج والضير والإثم كله أن تتعدى حدود الله وأن يتجاوز المرء النصح إلى العدوان والإرشاد إلى التعدي وإنكار الخطأ إلى التجني وبيان فساد القول إلى اتهام القائل والقدح في نيته ومحاولة إسقاطه وحشره في زمرة الأعداء.
كما أن هناك ثوابت عقيدة ليست محلًّا للاجتهاد لقيام الدليل القطعي على صحتها وضلال المخالف لها، فعلى المسلم أن يتحلى بأدب الخلاف مع إخوانه وأن يكون دافعه الحب والنصح والقيام بحق أُخوّة الإيمان لا الانتقام والتشفي واتباع الهوى.
لتحميل نسخة من المجلة BDF اضغط هنا
لتحميل نسخة من المجلة BDF اضغط هنا