نصيحة ثمينة من أبو يحيى الشامي بعنوان: ( العاقل من اغتنم )
العاقل من اغتنم
“روي أن يحيى بن يحيى الليثي كان يوماً عند مالك في جملة أصحابه (ومجلس مالك من أجلِّ مجالس العلم وأكثرها وقاراً) إذ قال قائل: قد حضر الفيل (وقلما يحضر فيلٌ إلى المدينة)، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره.
فقال له مالك: ما لك لم تخرج، فترى الفيل؟ لأنه لا يكون بالأندلس، فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجئ لأنظر إلى الفيل، فأعجب به مالك وسماه عاقل أهل الأندلس” “ثم لم يزل بعدُ مكرما له”.
أوردها أبو إسحاق الشيرازي في “طبقات الفقهاء” (ص: 152) (ترجمة يحيى بن يحيى)، والذهبي في: (سير أعلام النبلاء): (1/ 318) و”التاريخ” (ترجمة يحيى الليثي)، وغيرهم.
فالعاقل من اغتنم حضور المكان أو الزمان أو الأشخاص للاستفادة والاستزادة من زاد الآخرة وما هو ضروري لها من زاد الدنيا، ولا ينشغل بالملهيات.
هذا المعنى جمعه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ شبابَك قبل هرمكَ وصحتَك قبل سَقمِكَ وغناكَ قبل فقرِك وفراغَك قبل شغلِك وحياتَكَ قبل موتِكَ”.رواه الحاكم في المستدرك، و البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: “آمين آمين آمين”. قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين. قال: “إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذكرتَ عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين”. رواه ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحه و ابي يعلى الموصلي في مسنده و الطبراني في المعجم الأوسط و البيهقي في الشعب، وصححه الالباني.
الأرض لله كلها مسجد وطهور، والعمر قد يطول وقد يقصر ولا يعلم الأجل إلا علام الغيوب، والناس فيهم الصالحون والطالحون، ولله خاصة من أرضه جعلها للعبادة والرباط، وخاصة من دهره جعلها للبركة والثواب، وخاصة من عباده جعلها أوعية علم وهداة سبيل وهمم عمل وأسباب أجر.
الثلث الآخر من الليل.. الجمعة.. رمضان.. ليلة القدر.. الفطر.. العشر.. النحر.. المساجد.. الشام.. الوالدان.. العلماء… صالح الجلساء… وغيرها من فضل الله كثير من الهبات والنفحات.
ونفحات الرحمة الربانية الزمانية والمكانية والشخصية تمر في حياة الإنسان مرَّ الفُرصِ، ووقتها يمضي ولا يعود، فما مضى باللهو ولو كان طارئاً كان خسارة من العمر يسأل عنها الإنسان ويتحسر، وما اغتنم المرء من عمره في علم نافع أو عمل صالح، فبذلك يفوز الفائزون، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.”
أبو يحيى الشامي