الشيخ: أبو اليقظان محمد ناجي
عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحَ الحديبية آخر العام السادس للهجرة وفيه: ((وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا)) [صحيح البخاري].
((ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير؛ رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر، فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويل أمه مسعر حرب، لو كان له أحد». [صحيح البخاري].
عند قريش تعذيبٌ وقيود وعند النبي صلى الله عليه وسلم مواثيق وعهود، فأين يذهب أبو بصير؟ ((فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده بالله والرحم، لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24])) [صحيح البخاري].
دخلوا على أبي بصير، عتبة بن أسيد الثقفي رضي الله عنه، وهو في مرض الموت، فأخبروه أن حاجته قد قضيت وأن غربته قد أفلَت؛ فقد جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح لهم بسكنى المدينة، فقال وهو يصارع الموت: أروني كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناولوه إياه، فقبله ثم وضعه على صدره، وفاضت روحه وهو يقول: أقرئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام.
مات عتبة بن أسيد الثقفي رضي الله عنه مشرداً في الصحراء وشعاره: «لأقاتلنكم حتى تنفرد سالفتي»..
مات أبو بصير رضي الله عنه لكنه قدم نموذجا يُحتذى في الجهاد الإسلامي، فدونكم فقه أبي بصير {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: (269)]..
مات قائد أول كتيبة فدائية وقد خطط لحرب عصابات بعيدة فجعل الله على يديه فرجا ومخرجا للمستضعفين.
ولا شرفٌ يبيح الظلم يوما وبعض الحيف للحسنات محق
- فأين أبو بصير زماننا الذي يفهم كيد الكفار ويقوّم انحراف الفجار؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (قوام الدّين بِكِتَاب يهدي وَسيف ينصر وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا) [أمراض القلوب وشفاؤها].
-
أين أبو بصير زماننا الذي يقودنا برحمة؛ فيخفض الجناح، ويُعد العدة، ويُذعن للشورى، ويُنفق المال على المجاهدين؟ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: (159)]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: (38)].
-
أين أبو بصير زماننا الذي يحترم أهل العلم ويصدر عن رأيهم؟ {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعا لذلك كان أمر الإسلام قائما) [مجموع الفتاوى].
-
أين أبو بصير زماننا الذي يتقوى بحاضنته الشعبية؛ فتسمو معه معاني الرحمة والبعد عن التشفي والانتقام والظلم؛ والله يقول لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.
-
بعد السعي الحثيث لإطفاء جذوة الجهاد، وإقصاء الشخصيات الجهادية المؤثرة، وإضعاف الجماعات الجهادية ذات المرجعية الإسلامية، ومع ظهور دعاوى المقاومة السلمية وخدعة عودة النازحين تحت حكم روسي تركي في مناطق خفض التصعيد بناءً على تفاهمات موسكو وبنود سوتشي وأستانا، وبعد فاجعة تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة؛ لا أجد وصفًا أوضح من قول يوسف العظم:
كَسرنا قوس حمزةَ عن جَهَالةْ وَحَطَّمنا بِلا وَعي نِبَالهْ
فمزَّقَنا العدوُّ ولا جهادٌ وشرَّدَنَا الطُّغاةُ ولا عَدالهْ
- فأين مسعرُ حرب زماننا ليغسل عار سوتشي وأستانا؟
-
أين مسعرُ حرب زماننا ليملأ قلوب الروس رعبًا وذعرًا؟
-
أين مسعرُ حرب زماننا لننحاز إليه فيمضي بنا بسيوف طاهرة ملؤها الاستقامة والعدل؟
فإن لم تجد أبا بصير فكن أنت أبا بصير؛ {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: (84)].
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ