معاملةٌ ماليةٌ شائعةٌ (2)
الدكتور إبراهيم شاشو
شاع من المعاملات المالية في مكاتب الحوالات والصرافة معاملة قريبة من المعاملة السابقة (1)، وهذه المعاملة تقوم على الشكل الآتي:
يحتاج شخص ما لاقتراض مبلغ مالي 1000$ مثلاً، فيأتي إلى صاحبه (مكتب حوالات) ويطلب منه تحويل هذا المبلغ (1000$) لشخص ثالث يعينه طالب التحويل، ويتفق مع مكتب الحوالات على أن تسديد مبلغ الحوالة سيكون بعد مدة شهر مثلاً، كما يتفق مع الشخص الثالث أن يستلم مبلغ الحوالة ويسلّمها له (للأول)، ويترتب على الشخص الأول دفع أجرة الحوالة، وتكون الأجرة هنا هي الأجرة العادية دون زيادة عليها، أي إن الشخص الأول قد حصل على قرض من الثاني (مكتب الحوالات) عن طريق إجراء حوالة مالية ودفع أجرة الحوالة العادية.
هذه معاملة مالية محرمة حاصلها قرضٌ جرَّ منفعة للمقرِض، وهو هنا مكتب الحوالات الذي أقرض صاحبه (طالب التحويل) المال مقابل منفعة مالية تحصل له، وهذه المنفعة جاءت بصورة اجتماع إجارة مع القرض وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِى بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم.
والحديث يدل على حرمة اشتراط عقد البيع مع القرض (السَّلف)، وهذا الاشتراط يكون صراحة أو ضمناً، لأن في ذلك ذريعة إلى الزيادة المحرمة في القرض فيكون القرض قد جرَّ منفعة للمقرِض فيكون ربا
وفي القاعدة: [كلُّ قرضٍ جرَّ منفعة فهو ربا] وهذه العلة كما تكون في اجتماع البيع مع السلف، تكون أيضاً في اجتماع الصرف مع القرض، والإجارة مع القرض ونحو ذلك من عقود المعاوضات سدًّا لذريعة الربا عند اجتماعها.
وقد علّل العلماء التحريم في اجتماع القرض مع عقود المعاوضة أن ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرض، وهذه الزيادة قد تحصل نتيجة المحاباة في الثمن أو الأجرة من قبل المقرض أو المقترض، وقد لا يوجد في هذه الصورة محاباة في أجرة الحوالة نظراً لكونها أجرة المثل، لكن علة النهي ما تزال موجودة في هذه المعاملة، فإن طالب التحويل المقترض قصد في عمله هذا الحصول على قرض نقدي إلى أجل لكنه اتفق مع مكتب الحوالات على إجراء حوالة صورية مقابل أجرة حقيقية سيدفعها لمكتب الحوالات (المقرِض) ويتحصل من هذه المعاملة حصول الأول على قرض مقابل زيادة مالية دفعت على شكل أجرة للحوالة الصورية، ولولا إجراء الحوالة لما حصل القرض، فصار القرض مشروطاً بالحوالة ضمناً، ولا حوالة على الحقيقة، إنما قرضٌ وفائدة سميت أُجرة.
ولا يخفى أن تكييف الحوالات المالية الحاصلة اليوم في مكاتب الحوالات أنها وكالة بأجر، وأن ما يدفعه طالب الحوالة لمكتب الحوالات إنما هو أجرة مقابل عمل يقوم به مكتب الحوالات وهو تحويل المال من مكان لآخر أو من شخص لآخر.
والأصل في مثل هذه الحوالات النقدية أن يقوم الشخص طالب التحويل بتسليم المبلغ المطلوب تحويله لمكتب الحوالات ويقوم مكتب الحوالات بخدمة التحويل فقط مقابل الأجرة، ولا تقدّم مكاتب الحوالات عادة خدمة الإقراض للزبائن، فدورها يقتصر على تحويل المال المستلم من شخص لآخر.
وبإحداث هذه المعاملة وفتح باب الإقراض للأموال مع التزامها بتحويل هذه القروض إلى أشخاص آخرين مقابل الحصول على أجور هذه الحوالات مع بقاء قيمة الحوالات ديناً في ذمة الطالبين؛ تكون بذلك مكاتب الحوالات قد فتحت باب شر عظيم وأتت باباً من أبواب الربا.
قال الله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾
الدكتور إبراهيم شاشو
@imshasho