الآنسة: خنساء عثمان
قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].
آية في كتاب الله تُنزل السكينة في قلوبنا في زمن غربة المؤمنين كلما نظرنا حولنا فرأينا الباطل منتفشًا طاغيًا والناس حولنا يتسابقون إلى طريق جهنم يلحق بعضهم بعضًا.
طاردين من أمامهم كل من يحاول أن يحجزهم عنها بنصيحة أو برهان.
وكل شيء يوحي باليأس لولا بقية من الإيمان في القلب.
نخرج للطريق فنرى النساء منتشرات في الطرق والأسواق وكأنه لم تبق امرأة في بيتها.
ونسمع عن ضحايا النسوية ما يشيب الرأس من دمار البيوت وتمرد على الأهل أو الزوج قصصا فيها العجيب والغريب لكنه وقع وتكرر.
زوجة تشكو لأمها ظلم مديرها في العمل وضغطه عليها، والأم تظن أنها تشكو زوجها، فتبادر سريعًا بقولها: طلقيه..
فتجيب الزوجة: لا.. هو مديري في الوظيفة!!
هنا تغير الأم لهجتها وتنصح ابنتها بالصبر على هذا المدير!!!
هل هناك أحمق من هذه الأم!!!
وهل الدب الذي هشّم رأس صاحبه بالصخرة ليحميه من الذبابة أقل حمقا منها!!!
بالتأكيد لا..
لكن المجتمع ينظر إليها ويعاملها على أنها نعم الأم التي تحافظ على مصدر رزق ابنتها!!!
هذه هي الثقافة التي سادت في المجتمع إلا من رحم الله.
فتن عجيبة لا شك.
ولكن هذه أيام الله وهذه حكمة الله.
وهذا هو طريق الجنة المحفوف بالمكاره، مشى فيه الأنبياء والصالحون المجاهدون مع قلة السالكين وكثرة المخالفين، ليفوزوا بجوار الله في الجنة ولذة النظر الى وجهه الكريم حتى إذا دخلوا الجنة وقيل لهم هل رأيتم شقاءً قط، قالوا: لا.. والله لم نر شقاء قط، مع أنهم ذاقوا الأمَرّين وهم يجاهدون العدو ويجاهدون أنفسهم خوفًا عليها من الانزلاق في فتن كأمواج البحر.
فليكن هذا حداؤنا على طريق الجنة، وعزاؤنا وإن صَعُبَ الطريق وعز الصديق وكثرت المغريات، فما هذا إلا حماية من الله للجنة أن يدخلها من ليس من أهلها، وقد حُجبت عنا بكل كريهة وحُفت بما يؤذي النفوس ويؤلم، وما ذاك إلا غيرة أن ينالها سوى كفؤها والرب بالخلق أعلم.
وأما النار فهي محفوفة بالشهوات بحكمة من الله، لذلك نرى كثرة السالكين في طريقها لسهولته وموافقته لأهواء النفوس.
فمن أراد الدنيا وزينتها نراه يسلك لها كل طريق وينشر الفساد في الأرض ويتوافق مع أولياء الشيطان ويسهل الطرق لنشر كل رذيلة ويضيق السبل أمام كل فضيلة، ثم ترى أن الله يمهله ويملي له بكيد متين.
فهل نيأس!!
إن المؤمن لا ييأس، بل يزيد عمله وسعيه لإقامة شرع الله، وكسب رضا الله، ولا يمل من قطع الأشواك مهما كثرت لأنه يرى فتح الله وانتصار الحق بين عينيه، فهذا هو الطريق فحذار أن تملوه وتتركوه بل عضوا عليه بالنواجذ.
أنت يا فتاة الإسلام..
مهما رأيت من النسويات من حماقات تمسكي بعفافك وسترك وطاعتك لربك، وقفي سدًا منيعًا أمام التبرج والفسوق والضلال، ولن يضيع الله عملك وسينصرك دنيا وآخرة، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
وأنت أيها المجاهد سر في طريق جهادك ولا تيأس، وليكن قدوتك العبد الصالح الذي سيقطعه الدجال إلى نصفين فما يزيده ذلك إلا إيمانًا ويقينًا بأن هذا هو الدجال وأنه مخذول بإذن الله، لكنه فتنةٌ واختبارٌ ليميز الله الخبيث من الطيب.
وأنت يا زوجة المجاهد والمرابط ليزود عن الأمة التي خذلته وأسلمته للفقر والعوز وبخلت على عائلته ولو بشيء يتدفؤون به في الشتاء، وأن من توسدوا الأمر لم يعطوا المسؤولية التي في أعناقهم حقها.
لا تيأسي من رحمة الله فالفرج بيد الله، وإذا كان البلاء عامًّا فالرحمة خاصة فتعرضي لرحمة الله، ولن ينساك الله.
وإليك تحليل أحداث الدنيا بعين المؤمن..
*المشهد الأول..
امرأة نسيت الله وخانت الأمانة واستعملت ما أعطاها من فتنة لإسعاد الزوج وبسط السكينة والراحة في بيتها لينشأ جيل قويم خارج البيت ونشرت الفتنة والتبرج، فهي وإن كانت تظن نفسها على شيء لكنها في عين المؤمنة امرأة يُرثى لها خسرت الآخرة، خسرت جنة الخلود التي فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت، وعرضت نفسها لنار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.
فما أخسرها من تجارة يجب الابتعاد عنها والرجوع إلى التجارة الرابحة من طاعة الله وصون العرض والتمسك بحبل الله ولو خالف هوى النفس.
*المشهد الثاني..
مجاهد باع نفسه لله ولقي هو وعائلته من أعداء الله الويلات والمآسي، وهو يرى أمامه من باع دينه وقضية أمته يظفر بملذات لا حصر لها في الدنيا، أغراه بها أعداء الله لتبقى الأمة من ورائه ترزح بالأغلال.
هل يحزن على حاله تلك!!
أم يقول: يا حسرة على العباد!!
ويردد الذكر المشروع إيمانا ويقينا: “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلني على كثير من عباده!!!”.
هذه هي الحقيقة لأن تضييع الأمانة بلاء ومصيبة نزلت بهذا الذي غرته الدنيا فعرضته لجهنم وعذابها الذي لا يُتصور إذا لم يتب ويرجع الحقوق لأصحابها هذا في الآخرة.
وفي الدنيا خذلان وخسران حتميان، وانتصار للحق بوعد من الله.
فالمضي المضي في طريق الله والأخذ بالأسباب بكل الوسع فالحق منصور والعاقبة للمتقين، وما نراه أمامنا ليس نهاية القصة لأن الله تعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
فكيف نيأس!! لا لن نيأس إن شاء الله..
بل سنضاعف العمل، والتوفيق من الله والتوكل عليه فهو حسبنا ونعم الوكيل.