كلمة التحرير
قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43].
وأُثر عن السلف رحمهم الله أنهم قالوا: “شر إلهٍ عُبدَ في الأرض الهوى”.
فصاحب الهوى تعمى عيناه عن رؤية الحق، وتصم أذناه عن سماعه فهو “لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه”.
فالهوى عنده هو قطب الرحى الذي تدور عليه تصرفاته، فما وافق الهوى فهو المتبع وما خالفه فليعرض عنه وليطو ذكره أو فليصب عليه حمم الغضب.
ليست المشكلة في صاحب الهوى خفاء الأدلة أو إجمالها بل المشكلة في مخالفته هواه فمهما أتيته بالحجج القواطع والبراهين النواصع والحكم الجوامع فلن يستمع لك ولن يلقي لها بالًا {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأعراف: 146].
وسُكْرُ الهوى أشد من سُكْرُ الخمر وللنفس الإمارة بالسوء عجائب في لبس الحق بالباطل وتسويغ ما يوافق الهوى مهما كان شنيعًا، وربما استحسنت النفس ما كانت تراه بالأمس القريب قبيحًا وربما استقبحت ما كانت تراه بالأمس القريب حسنًا.
ولا يفلح متبع الهوى في قيادةٍ قط إذ أسّ القيادة قائم على المحافظة على مصلحة الرعية والسعي في تحصيل منافعها ورد المضار عنها ومتبع الهوى همه منحصر في إرضاء هواه ولو امتص دماء الرعية وأنضاها هزالًا.
والله تبارك وتعالى يعاقب متبع الهوى بطمس بصيرته ووكله إلى نفسه جزاء وفاقًا لإعراضه عن الحق واتباعه الهوى فيظل متخبطًا يودي بنفسه إلى الهلاك من حيث قدر نفعها {مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُۥ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف:186].