أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
لا شك أن ذكر الله عز وجل من أعظم الأمور التي على الموحد أن يحفظها ويرددها في كل زمان ومكان في عموم أحواله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
والذكر سبب لمعية الله تعالى، وقد جاء في الحديث القدسي: «وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملأ ذكَرتُهُ في ملأ خَيْرٍ منْهُمْ» متفق عليه.
والمجاهد الذي باع روحه لله عز وجل أولى أن يتمسك بما أُمر، وأحرى أن يستحضر ذكر الله عز وجل خاصة في أوقات القتال والنزال وملاقاة الأعداء وحين رص الصفوف، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) قال السعدي رحمه الله في تفسيره: “فالصبر والثبات والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر”. وقال كعب الأحبار: “مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أُمِرَ النَّاسُ بِالصَّلَاةِ وَالْقِتَالِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ”. وقال قتادة: “افْتَرَضَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عِنْدَ أَشْغَلِ مَا تَكُونُونَ عِنْدَ الضِّرَابِ بِالسُّيُوفِ”. وقال ابن القيم: “أفضل الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدين الذاكرون”.
فكان ذكر الله تعالى هو حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم من خيرة القرون حين يخوفهم المرجفون والبطالون من المخذلين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)» رواه البخاري. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوما، قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم» رواه أبو داود. وإذا غزا قال: «اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل» رواه أبو داود والترمذي. وعند لقاء العدو يقول: «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» متفق عليه.
ويوم بدر ما زال صلى الله عليه وسلم يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه، وقال: «يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل:(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، فأمده الله بالملائكة» رواه مسلم.
وعند الموجهة مع الأعداء يرتد بعض على أعقابهم وينتكس آخرون ويتراجع خائفون وينسحب منافقون، وتبقى قلة قليلة صابرة على أمر ربها تكثر من ذكره تبارك وتعالى والتضرع إليه فينزل عليها النصر والفتح، قال تعالى مخبرا عن أصحاب “طالوت” عند لقاء الأعداء: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فكانت الجائزة من رب العالمين: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ).
فتعالى وتبارك وتعظّم وتمجّد وتقدّس من يكون ترداد اسمه وذكره عزًا ونصرًا وفتحًا وثباتًا ورزقًا وتمكينًا لعباده المجاهدين الذاكرين، مع ما لهم من النعيم المقيم في الجنة حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
رزقني الله عز وجل وإياكم أن نذكره ذكرًا كثيرًا قيامًا وقعودًا وعلى جنوبنا، ونسبحه بكرةً وأصيلًا، ونناجيه آناء الليل وأطراف النهار، على النحو الذي يرضى به عنا، حتى ينصرنا على أنفسنا وأهوائنا وشهواتنا وعلى الشياطين وعلى القوم الكافرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد التاسع عشر جمادى الاولى 1442 للهجرة _ كانون الثاني 2021 للميلاد اضغط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد التاسع عشر اضغط هنا