تعليقات على رسالة الأربعون في فضل الشهادة، وطلب الحسنى وزيادة للشيخ أبي يحيى الليبي تقبله الله من الحديث الثامن عشر الى الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثامن عشر: عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((قال رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ)).
رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، والبيهقي.

الفوائد:
☘️ استيثاق الصحابة رضي الله عنهم من سلامة مآلهم في جهادهم، وأنه طريقٌ محقَّقٌ للجنة.
🍀 حرص الصحابة رضي الله عنهم البالغ على نيل الشهادة، قال ابن حجر: ((وفيه ما كان الصحابة عليه من حب نصر الإسلام والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله))اهـ.
🍀 فيه ثبوت الجنة للشهيد وأنه يكون فيها بمجرد مقتله.
🍀 احتقار الحياة الدنيا وازدراؤها في نظر الصحابة.
🍀 قوة يقينهم رضي الله عنهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم وبما سيؤولون إليه بعد الشهادة.
🍀 بحسب يقين المجاهد بحُسن العاقبة يستسهل صعاب الجهاد ويستهين بمخاطره.

الحديث التاسع عشر: عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«إِنَّ أَوَّلَ ثُلَّةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْفُقَرَاءُ الْمُهَاجِرُونَ، الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمُ الْمَكَارِهُ، إِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَةٌ إِلَى السُّلْطَانِ، لَمْ تُقْضَ لَهُ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي صَدْرِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْعُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْجَنَّةَ، فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَرِيِّهَا، فَيَقُولُ: أَيْنَ عِبَادِيَ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقُتِلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ فَتَأْتِي الْمَلائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَحْنُ نُسَبِّحُ لَكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَنُقَدِّسُ لَكَ مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ آثَرْتَهُمْ عَلَيْنَا؟ فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ».
رواه الحاكم –واللفظ له– وقال: حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد، والطبريُّ، والبيهقي في الشعب، وغيرهم.

الحديث العشرون: عن حَسْنَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«النبيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْوَئِيدُ فِي الْجَنَّةِ».
رواه أحمد، وأبو داود، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة، وابن عبد البر، وقال ابن حجرٍ: إسناده حسن، وصححه الألباني، ورواه أيضاً البزار عن ابن عباسٍ، والطبراني في الكبير عن الأسود بن سريع.

الحديث الحادي والعشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ».
متفق عليه.

الفوائد:
☘️ فضل الشهادة في سبيل الله حيث تمنى أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم أن ينالها مراراً، قال أبو اليد الباجي رحمه الله: ((وقد تمنى صلى الله عليه وسلم إعلاماً بدرجة الشهادة وتحريضاً لأمته عليها وإعلاماً لهم بما فيها))اهـ.
🍀 تأكيد هذا التمني بقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك إيذاناً بشرف الشهادة وترغيباً في طلبها والحرص عليها.
🍀 جواز أن يتمنى المرء ما يعلم عدم وقوعه، قال ابن عبد البر : ((وفيه إباحة تمني الخير والفضل من رحمة الله بما يمكن وما لا يمكن))اهـ.
🍀 أهمية حرص المسلم على الخير وعقد النية عليه وإن كان متعذِّراً، فما لم يبلغه عمله بلغته نيته فيثاب على ذلك، قال الزرقاني: ((قوله: وددت حصول كذا من الخير وإن علم أنه لا يحصل؛ لأن فيه إظهارَ محبةِ الخير، والرغبة فيه، والأجر يقع على قدر النية))اهـ.

إضافة مهمة على فوائد الحديث:

🍀 جاء في بعض ألفاظ الحديث في الصحيح وغيره: «لوددت أني أقاتل..» بإثبات الألف من المقاتَلة، فقال أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم وليُّ الدين العراقي في ذلك: (لم يتمنَّ عليه الصلاة والسلام القتْلَ في سبيل الله إلا بعد المقاتَلة؛ ليكون منه عمل وإقامة للدين، وهو موافق لقوله تعالى {يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}). [طرح التثريب 7/479].
قلتُ: وهذا تنبيه لطيف ونكتةٌ بديعة يلزم التفطُّن لها، إذ ينبغي على المجاهد مع حرصه على الشهادة، واجتهاده في طلبها، والبحث عنها في مظانِّها، وترقُّبِ نيلها والفوز بها أن يكون مجتهداً في الأعمال الصالحة مستكثراً منها مواظباً عليها، لا سيما القتال ومستلزماته ومكملاته من تدريبٍ وإعدادٍ ونحو ذلك؛ ليجمع بين الازدياد من الطاعة والخير بأعماله والترقِّي في دَرَجِ الرُّتَب العليِّة بنيته وقصده، وليكمُل بما يحصله من خبرةٍ وتجربةٍ وممارسةٍ، فلا يكون حرصه على الشهادة، وشدة اشتياقه لها، واستعجاله في طلبها سبباً في قصور همِّته وفتورها، فكلّما دعي لعملٍ ينتفع وينفع به استثقله بدعوى أنه قريبٌ من الشهادة فما الفائدة مما يتعلمه أو يكتسبه أو يتفرّغ إليه؟!، وهذا بلا شك ناتج عن قصورٍ في الفهم، وركودٍ في التصور، إذ ما من عملٍ صالحٍ يقوم به -ولو كان قبل الشهادة بلحظةٍ- إلا وجده، وما يدريه فلعله يكون سبباً في دخوله الفردوس الأعلى، فلا تعارض إذاً بين الاجتهاد في طلب الشهادة واستعجال الظفر بها وبين الاستمرار في اكتساب الأعمال الصالحة أياً كانت، فلا يَجْعل استعجاله لنيل الشهادة سبباً للزهد فيها (أي في الأعمال)، ولا يجعل اجتهاده في الأعمال الصالحة مانعاً من الجدِّ في طلبها (أي طلب الشهادة) بل يجمع بين هذا وذاك حتى يمنَّ الله بها عليه وهو على أكمل حالٍ وأرضاه عملاً ونيةً، وما أجمل ما قاله الإمام ابن العربي المالكي -رحمه الله-: (وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَطْلُبَ الشَّهَادَةَ بِأَنْ يَسْتَقْتِلَ مَعَ الْأَعْدَاءِ، وَلَا بِأَنْ يَسْتَسْلِمَ لِلْحُتُوفِ، وَلَكِنَّهُ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَأْخُذُ حِذْرَهُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ الشَّهَادَةَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، وَيُعْطِيه اللَّهُ بَعْدُ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ). [أحكام القرآن : 3 / 220].

الحديث الثاني والعشرون: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ أُحُدٍ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي غُودِرْتُ مَعَ أَصْحَابِي نُحْص الْجَبَلِ» يَعْنِي سَفْحَ الْجَبَلِ)).
رواه أحمد، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في دلائل النبوة، قال: وكان عاصم _أحد الرواة_ يقول: لكني والله ما يسرني أنه كان غودر معهم، والحديث حسَّن إسناده الأرناؤط.

الفوائد:
☘️ فضل شهداء أحد رضي الله عنهم.
🍀 شدة محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
🍀 الظاهر من قول الراوي : “إذا ذُكِر..” أن قول النبي صلى الله عليه وسلم كان متكرِّراً منه.
🍀 جواز تمني حصول ما فات وانقضى إيذاناً بسموِّ مقامه وجليل منزلته، قال أبو عبيد: ((وقوله: “غودرت” يعني ليتني تركت معهم شهيداً مثلهم))اهـ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى