الحشودات الأمريكية في المنطقة.. الأسباب والدلالات – #كتابات_فكرية – مجلة بلاغ العدد ٥٢ – صفر ١٤٤٥هـ⁩⁩⁩⁩

الأستاذ: حسين أبو عمر

خلال شهري تموز وآب من هذا العام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن نشر الكثير من الأسلحة والجنود في منطقة الشرق الأوسط؛ منها حاملة طائرات، وعدة أسراب من الطائرات من نوع f-16 و f-22 و f-35، وسفينة هجوم برمائية، وسفينة إنزال وأكثر من 3000 بحار وجندي أمريكي…

ربط الكثير من المحللين هذه التحركات بالحد من نفوذ إيران واستفزازاتها؛ سواءً في قضية حماية ممرات الطاقة في الخليج العربي، أو بالكلام عن عملية عسكرية أمريكية وشيكة للسيطرة على المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، وقطع طريق (طهران – بيروت).

سيناريو لا يمكن استبعاده بشكل نهائي؛ إلا أن التوقيت لا يرجحه، خاصة وأن إيران كانت قد أقدمت في السابق على استفزازات أكبر مما تفعله الآن، ولم يتم التعامل معها بشكل جدي.

الأسباب الكامنة وراء الحشودات الأمريكية

في العاشر من شهر آذار الفائت أُعلن عن مصالحة سعودية – إيرانية برعاية صينية، نتج عنها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين؛ فتم فتح السفارات، ثم توجت بزيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في السابع عشر من شهر آب الجاري الرياض؛ أرجع الكثير من المراقبين التقرب السعودي من إيران إلى شعور الرياض بعدم جدية واشنطن في حمايتها من هجمات الميليشيات التابعة لإيران، وحماية ممرات الطاقة..

كما أعلنت دولة الإمارات العربية انسحابها من التحالف الأمني البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ أرجع المراقبون الانسحاب الإماراتي أيضا إلى شعور الإمارات بعدم جدية الولايات المتحدة في الحفاظ على الأمن البحري في منطقة الخليج.

 

بعد الإعلان عن المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية بخمسة أيام فقط أُعلن عن بدء مناورات بحرية بين إيران وروسيا والصين في بحر عمان بالقرب من مضيق هرمز؛ وكأن الولايات المتحدة أخرجت من المنطقة، وتحولت المنطقة إلى منطقة نفوذ صيني؛ فجاء الرد الأمريكي بهذا الحجم من الانتشار، وعلى التأكيد أن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ أمريكي، وستبقى كذلك.

وعلى هذا النحو فُهمت التحركات الأمريكية الأخيرة في بعض دول الخليج أيضا؛ حيث غرد الكاتب الإماراتي عبد الخالق عبد الله، المقرب من صناع القرار في الامارات، في الرابع من شهر آب الجاري، على حسابه على تويتر بأن بعض تحركات أمريكية: “رسالة أمريكا للصين ولإيران ودول الخليج العربي بأن الخليج أمريكي وليس عربي أو فارسي ولن يكون صينيا لا عاجلا ولا آجلا”.

وللتذكير، فإن أول مناورات بحرية بين إيران وروسيا والصين بالقرب من الخليج العربي كانت في السابع والعشرين من كانون الأول من العام 2019. بعدها بأسبوع فقط قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني؛ وأظن أن قتله كانت رسالة لإيران بعدم الانجرار وراء التيار الذي يريد الذهاب في العلاقات مع روسيا والصين بعيدا، والذي كان يتزعمه سليماني.. في تسريبات جواد ظريف، وزير خارجية إيران السابق، قال حول زيارة سليماني لموسكو: “بإرادة روسية ودون سيطرة وزارة الخارجية الإيرانية، وكانت تهدف إلى تدمير إنجاز وزارة الخارجية”.

 

السبب الآخر، الذي يمكن أن يكون خلف الحشودات الأمريكية الكبيرة في المنطقة إظهار جدية الولايات المتحدة بشأن المحادثات الأمريكية – السعودية، التي تحدث عنها توماس فريدمان في مقاله في النيويورك تايمز في السابع والعشرين من تموز الفائت، والتي تتعهد الولايات المتحدة فيها بضمان أمن السعودية، وتسهيل وصول السعودية للأسلحة الأمريكية، ودعم مشروع نووي سعودي سلمي، وفي المقابل تقلص السعودية من علاقاتها مع الصين، وتتعهد بعدم السماح بإقامة قواعد عسكرية صينية على أراضيها، وتطبّع مع إسرائيل.

نقلت “الوول ستريت جورنال” فيما بعد عن مسؤولين أمريكيين الاتفاق على الخطوط العريضة منها، ثم نفى البيت الأبيض في التاسع من آب الجاري وجود إطار متفق عليه بشأن التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

وللتذكير أيضا، فباستثناء الكلام عن العلاقات مع الصين، فإن البنود التي تتضمنها اتفاقية التطبيع التي يتم الحديث عنها، كانت “النيويورك تايمز” قُبيل الإعلان عن المصالحة السعودية – الإيرانية، قد نقلت عن مسؤول سعودي أن السعودية طرحتها على واشنطن.

فالحشودات الأمريكية الضخمة في منطقة الشرق الأوسط هي عصا وترهيب لكل الأطراف؛ لمنافسي الولايات المتحدة ولحلفائها أيضاً، إذا ما حاولوا الخروج من العباءة الأمريكية، ويمكن أن يكون فيها جزرات للحلفاء أيضا، لإعادتهم بشكل كامل تحت العباءة الأمريكية.

لتحميل نسخة من مجلة بلاغ بصيغة BDF اضغط هنا

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضغط هنا 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى