البكاء من خشية اللّه – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٥٣

جمع ترتيب الشيخ رامز أبو المجد الشامي

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 107 – 109]

وقال الله تعالى: (وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) [النجم: 43]

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ» رواه الترمذي.

البكاء من خشية اللّه من أعظم العبادات، وهو صفة من صفات أهل الإيمان، وعلامة على الإخلاص، ودمعة واحدة من خشية اللّه في الخلوات أعظم عند اللّه من البكاء أمام الناس، وأدعى لثبات صاحبها.

وللبكاء أنواع؛ ذكر منها العلماء رحمهم اللّه:

بكاء الخوف والخشية من الله.

بكاء الرحمة والرّقة.

بكاء المحبة والشوق.

بكاء الفرح والسرور.

بكاء الجزع من الألم وعدم احتماله.

بكاء من خشية الله تعالى.

بكاء الذكر والشكر.

والبكاء من خشية اللّه؛ هو أصدق بكاء تردده النفوس، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة.

قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16]

عن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «اقْرَأْ علَّي القُرآنَ، قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟، قالَ: إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: “فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً” [النساء: 40]، قال: حَسْبُكَ الآن، فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ» رواه البخاري ومسلم.

عَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير رضي اللَّه عنه قال: “أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي، ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ” والمِرْجل: هو القِدر الذي يغلي فيه الماء. رواه ابن حبان.

وعن عبيد بن عمير رحمه الله: أنه قال لعائشة رضي الله عنها: «أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي، قال: “يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي”، قلت: والله إني أحب قُربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فم يزل يبكي، حتى بَلَّ حِجرهُ!، قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بَلَّ لحيته!، قالت: ثم بكى حتى بَلَّ الأرض!، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!، قال: “أفلا أكون عبداً شكورا؟!”، لقد أنزلت علي الليلة آية، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها!، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…) [آل عمران: 190]» رواه ابن حبان.

وكما بكى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقد بكى أصحابه رضي اللّه والتابعون رحمهم اللّه عنهم من خشية اللّه تعالى، عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: “خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»، قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ”، وفي رواية مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللّه عنه قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَىْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، قَالَ: غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ، والخنين: هو البكاء مع غنّة.

عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: “لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى، وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً فَتَرَكْنَا مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، قَالَ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا تَرَكَ، فَإِذَا قِيمَةُ مَا تَرَكَ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَماً أَوْ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَماً”.

عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ رحمه اللّه، أَنَّهُ سَمِعَ هَانِئًا مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: “كَانَ عُثْمَانُ رضي اللّه عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ». قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ». رواه أحمد والترمذي

وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا، فقيل له ما يبكيك؟، قال: “لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون”.

وبكى الحسن، فقيل له: ما يبكيك؟، قال: “أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي”.

وقال مسروق رحمه الله: “قرأت على عائشة هذه الآيات: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور: 27]، فبكت، وقالت: ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم”.

وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟!، فقال: “أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي”.

دخلت امرأة على زوجة الأوزاعي رحمه اللّه، وجلست مكان مصلى الأوزاعي رحمه اللّه، وهي لا تعلم أن هذا المكان مصلى الأوزاعي، فشكت من رطوبة وجدتها لزوجة الأوزاعي رحمه اللّه، فقالت لها زوجة الأوزاعي: هذه دموع الأوزاعي في سجوده.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون رحمهم اللّه من بعدهم كثيري البكاء من خشية الله، ونحن اليوم أصبحنا نعاني من جفاف العين، وقلة البكاء من خشية الله، وحسبنا هذا التهديد الإلهي المخيف، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الزمر: 22].

عن علي رضي اللّه عنه في وصف الصحابة الكرام عليهم رضوان اللّه، فقد جاء في ترجمته رضي الله عنه أنه صلى صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وجعل يبكي، ويقول: “لقد رأيت أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأن القوم باتوا غافلين!” وما رؤي رضي الله عنه بعد ذلك متبسماً حتى لحق بربه.

تفضيل البكاء من خشية اللّه على بعض النوافل:

قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار”.

والعين بريد القلب، فإذا امتلأ القلب خوفاً وخشيةً للّه جادت العيون بدموعها خوفاً وخشيةً من اللّه، والعكس بالعكس.

 

ولقسوة القلوب التي تتسبب في جفاف ماء العيون، ولا تبكي من خشية اللّه أسباب كثيرة منها:

1 – كثرة الكلام.

2 – نقض العهد مع الله تعالى بفعل المعاصي وترك الواجبات من الطاعات.

3 – كثرة الضحك؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» رواه أحمد.

ومرَّ الحسن البصري بشاب وهو مستغرق في ضحكه، وهو جالس مع قوم في مجلس، فقال له الحسن: “يا فتى هل مررت بالصراط؟! قال: لا!، قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلا النار؟! قال: لا!، قال: فما هذا الضحك؟!”، فما رؤُي الفتى بعدها ضاحكاً.

وكان الحسن يقول: “يحق لمن يعلم أن الموتَ موردُه، وأن الساعةَ موعدُه، والقيام بين يدي الله تعالى مشهدُه، يحق له أن يطول حزنُه”.

4 – كثرة الأكل والشرب؛ قال بشربن الحارث رحمه اللّه: “خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل”.

5 – كثرة الذنوب؛ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِى قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» [المطففين: 14] رواه أحمد.

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: “مَا النَّجَاةُ؟!، قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» أخرجه الترمذي حديث حسن.

6 – صحبة السوء؛ عَنْ أَبِى مُوسَى رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» رواه البخاري.

علاج قسوة القلب وقلة البكاء من خشية اللّه:

أولاً: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فمن عرف الله خافه ورجاه، ومن خافه ورجاه رق قلبه ودمعت عينه، ومن جهل ربه قسى قلبه وقحطت عينه.

وأول مقامات الإيمان: الحب، فإذا أحببت الله دعاك حبُّه للبكاء شوقاً له، والخوف منه، فإذا خفت منه دعاك خوفُه للبكاء من خشيته وعقابه والرجاء، فإذا رجوته دعاك رجاؤه للبكاء طمعاً في رضوانه وثوابه، وكل أولئك تدعو المسلم للبكاء، قال أبو سليمان الداراني: “لكل شيء علَم وعلَم الخُذلان: ترك البكاء من خشية الله، فإذا خذل الله العبد، سلبه هذه الخصلة المباركة، وصار شقيّاً قاسي القلب وجامد العين”.

ثانيا: من الأسباب المعينة على البكاء من خشية الله قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته؛ قال الله تعالى في وصف عباده العلماء الصالحين: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 107-109]، قال القرطبي: “هذا مدح لهم، وحق لكل من توسم بالعلم، وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل”.

ثالثا: أكل الحلال؛ فقد سئل بعض الصالحين رحمهم اللّه: “بم تلين القلوب؟ قال: بأكل الحلال”.

رابعا: الابتعاد عن المعاصي؛ قال مكحول رحمه الله: “أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً”.

خامسا: التفكر عند رؤية ما يُعتبَر كرؤية النار في الدنيا؛ فعن مغيرة بن سعد بن الأخرم قال: “ما خرج عبد الله بن مسعود إلى السوق فمر على الحدادين فرأى ما يخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان، فالمسلم أعرف أهل الأرض بربه تعالى، فالواجب عليه أن يكون حاله لا كحال الآخرين، فهو يعتبر ويتعظ بما يقرؤه ويسمعه من الآيات والمواعظ، والقلب الخائف يثمر عيناً دامعة رجاء بلوغ رحمة الله تعالى ودخول الجنة، تحقيقاً لوعد الله تعالى”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» رواه الترمذي، ومن الأسباب المعينة على البكاء من خشية الله: الدعاء، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من القلب الذي لا يخشع، وقد سبق ذِكر اتصال العين بالقلب.

الجزاء من جنس العمل:

إنّ جزاء من بكى من خشية الله؛ أن يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فقد روى البخاري في صحيحه: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: … ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».

ومن دمعت عينه من خشية الله تحرم عينه وجسده على النار، فقد روى الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وفي سنن النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ»،

ومن بكى من خشية الله: يحبه الله ويقربه إليه، ففي سنن الترمذي: عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ».

اللهم يا حيّ يا قيوم برحمتك نستغيث..

يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطَول والإنعام..

أكرمنا بالبكاء من خشيتك بين يديك، وأقمنا بصدق العبودية بين يديك، ومتعنا بالقَبول يوم نلقاك، ولا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد للّه ربّ العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى